المشروع الإنساني الذي أطلق مؤخرا تحت عنوان "وقل ربي ارحمهما"، بالتعاون بين وزارة العدل والشؤون الإسلامية وصندوق الزواج، هو مبادرة إنسانية نبيلة تستحق التشجيع من تيارات المجتمع كافة لتعويض فئة كبار السن عن فقدانهم للكيان الأسري وتحقيق قدر من التواصل والترابط المعنوي معهم لتخفيف أشكال المعاناة التي يمرون بها. فرغم ضآلة عدد كبار السن المستفيدين من المشروع في انطلاقته الأولى، والذين يبلغ عددهم نحو 270 مسنّا، موزعين على مختلف إمارات الدولة، فإن هذا لا ينفي معاناة هذه الفئة من المجتمع من التجاهل والنسيان الذي يرتقي أحيانا إلى حدّ نكران الجميل والجفاء. فالكثيرون يتحدثون بامتنان عن كبار السّن ولكنهم في الممارسة العملية الحياتية لا يظهرون ما يعبّر عن مشاعرهم هذه لهؤلاء الذين أدوا لنا أدواراً مهمّة في الحياة، ويستحقون منا كل تكريم وإجلال واحترام يتجاوز أطر الكلام والحديث إلى الممارسات الفعلية التي تعلي من شأن هؤلاء، وتمنحهم حقا أصيلا لهم كفله ديننا الحنيف وعاداتنا وقيمنا الأصيلة. لا أحد ينكر أن طوفان الحياة المادية قد افتأت بدرجات متفاوتة على قيم نبيلة اعتادت عليها مجتمعاتنا، وأصبحنا نرى كبار سن يعانون ويفتقدون إلى الإحساس بالأمان، ظناً من البعض بأن العلاج والغذاء هما كل ما يحتاجه الإنسان في شيبته، وجهلاً بأن الشعور بنكران الجميل والجحود هو أقسى ما يمكن أن يعانيه الإنسان في أي مرحلة من حياته، وأن متطلبات الحياة أوسع بمراحل من ضمان وجبة غذائية ومكان للنوم!.
ولعلّ هذه المبادرة التي تجرى فعالياتها حاليا فرصة ثمينة للقطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني ممثلة في جمعيات النفع العام في الاضطلاع بإسهامات مهمّة في تخفيف وطأة الحياة عن كاهل هذه الفئة التي تستحق منا كل تكريم وإجلال، وأيضا في توعية الأجيال الشابة بقيمة كبار السن وضرورة احترامهم. وفي هذا الإطار لابدّ من الإشارة إلى أن إيجابيات هذه المبادرة الإنسانية كان يمكن لها أن تتعاظم فيما لو أطلقت في وقت مبكر من العام الدراسي، حيث كان يمكن التركيز على المدارس وإشراك وزارة التربية والتعليم في هذا الجهد، من خلال تخصيص حصص توعية وفرق عمل من الطلبة والمدرّسين تجوب دور المسنين لتخفيف آلامهم ورسم الابتسامة على وجوههم. فالصغار هم أولى الناس بأن نوجّه إليهم جهودا توعوية مدروسة تذكّرهم بقيمة كبارنا بعد أن فقدوا هذه القيم والمعاني النبيلة في وسائل الإعلام التي شوهت صورة هذه الفئة، وجعلت منها عالة على المجتمع وفي أحسن الأحوال تأتي على ذكرها وتصورها في مشاهد "كاريكاتورية" ساخرة لاستدرار الضحك أو جلب العطف من دون أي جهد إعلامي توعوي واضح لاحترام كبار السن الذين يستحقون منا الكثير.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية