بعد عامين من الغزو والاحتلال الأميركي للعراق - ماذا حدث لتضاريس العالم العربي؟ ماذا نشهد في عالمنا العربي المترامي الأطراف والأنظمة والآمال؟ منذ أن أعلن بوش الشرق الأوسط الكبير كرس اهتمامه لديمقراطية العالم العربي ومحاربة الطغاة، ونحن نشهد موجه تجتاح عالمنا، وهي موجه من التغيير والجرأة إلى حد ما. ولا زال مبكراً أن نحكم على فاعليتها وأبعادها ونتائجها. أهي أحداث متفرقة ومتناثرة تبقى جزرا متباعدة وليست عقداً مترابطا يسقط النظام العربي القديم المتصدع وينبئ بفجر جديد؟
من وفاة عرفات في ظروف لم يكشف النقاب عن لغزها إلى اغتيال الحريري في لبنان - وما تم بين الحدثين من ثورة بنفسجية للعراقيين في اقتراعهم وانتخاباتهم المثيرة للجدل في تحد للوجود والسيارات المفخخة إلى "ثورة الشعب" أو الثورة الحمراء أو الأرز في بلاد الأرز لبنان التي أسقطت الحكومة اللبنانية الموالية لسوريا، ودفعت بالرئيس السوري إلى الإعلان عن الانسحاب السوري من لبنان على مرحلتين. مروراً بطلب الرئيس المصري حسني مبارك في مصر بالتعددية في الترشيح للرئاسة، إلى الانتخابات البلدية في السعودية وانتهاءً بالمساعي المتصاعدة نحو تمكين المرأة الكويتية سياسياً عبر الدفع الحكومي لمنحها حقوقها السياسية بعد 4 عقود من اعتماد الدستور.
كيف نقرأ هذا السيل من التطورات والأحداث؟ هل نحن أمام حقيقة جديدة، ثورة لا رجعة عنها، أمام عدوى ثورة متنقلة؟ وتصدع في جدار النظام العربي الذي تعرض للعديد من الهزات خلال العقود الماضية ولكنه بقي ثابتاً واقفاً. هل هذا السيل سيجرف ذلك الجدار؟ من يتابع الأدبيات وما يكتب من تحليل وتقارير عن هذه الموجة الديمقراطية التي تجتاح عالمنا العربي، والمشرقي بالتحديد يرى أن هناك نفساً ونبرة متفائلة – فموضوع غلاف "الايكونومست" الرصينة لهذا الأسبوع هو "هناك شيء يتحرك في العالم العربي" مع صورة الغلاف واعتصام وتظاهرات الشباب اللبناني في ساحة الشهداء في وسط بيروت. إلى موضوع رئيسي في "نيويورك تايمز" عن "الحرية في الشرق الأوسط" إلى "الغارديان" عن تهاوي النظام العربي عبر الثورة، إلى ربيع العرب في "صنداي تايمز"... هذه المقالات وغيرها كلها تبدو متوافقة ومتناغمة مع موقف بوش المؤمن بأنه الانتخابات والحرية ومحاربة الطغاة وإدخال الإصلاحات هي الدرع الذي سيحمي أميركا من الإرهاب وسيوقف تعزيز الإرهاب والإرهابيين.
لذلك فإن بوش ومحافظيه الجدد الذين لم يتوقفوا عن الحديث بأنFreedom on the march (الحرية تشق طريقها)، يشعرون بنشوة الانتصار والزهو وهم الذين يضحكون أخيرا، بأن سياستهم المتشددة وحربهم في العراق أدت إلى هذا الحصاد. من تسليم القذافي لبرنامج أسلحة الدمار الشامل إلى، قبل ذلك، إسقاط نظام صدام حسين. وهم يريدون أن يكون الفضل لهم بخروج الجيش السوري من لبنان وسلسلة الإصلاحات والتقدم في مصر والسعودية والخليج ولبنان، وأنه لولا التدخل الأميركي في العراق لما انحدرت هذه الكرة الثلجية، وجرفت معها النظام العربي القديـم. ولكن هل ذلك حقاً هو الواقع؟ أم أن هناك إغراقاً في التفاؤل المفرط؟.
إن الوضع في العالم العربي لا يزال أبعد ما يكون عن المثالية – فلا نغتر بهذه الموجه من الديمقراطية. فلا توجد مساءلة حقيقية، ولا شفافية ولا رقابة على إنفاق المال العام ولا محاسبة على تجاوزات، ولا انتخابات وتبادل السلطة بشكل دوري ودائم وعادل.
كما أن هناك تهميشا للمجتمع المدني وغيابا لدور الصحافة الحرة المستقلة الناقدة. كما أن هناك في العديد من دولنا العربية تجاوزات للسلطة ورجال الأمن. وأحيانا بعلم ودعم الغرب الذي لطالما قايض مصالحه واستقرار المنطقة وقدمها على نشر الديمقراطية والحريات.
إذن هل نحن على أبواب فجر جديد يصدع ذلك الجدار الحديدي الذي بقي واقفا لعقود؟ أم نحن أمام حالات شاذة فردية لا يمكن أن تنتج التغيير المأمول؟ أم علينا انتظار موجة وثورة أخرى قد تطول أو تقصر أو قد لا تأتي قريباً. ويبقى الحال على ما هو علية من المراوحة.