من الواضح جداً أن لدى وزير العمل والشؤون الاجتماعية، د.علي عبدالله الكعبي أسبابه القوية والوجيهة في أن يجعل مكافحة الفساد الإداري داخل الوزارة من أهم أهدافه الرئيسية، بعد أن لاحظ بصورة واضحة آثار ذلك على الوزارة ووجد أن مشكلة "المتاجرة بالتأشيرات" وصلت إلى مرحلة خطيرة، وأصبحت حالة مستفحلة. حيث إن الأرقام التي نشرت عن عدد الرخص التي يمتلكها الموظفون في الوزارة، تكشف عن حقيقة هذه الحالة، هناك عدد من موظفي الوزارة يكفلون أكثر من 50 ألف عامل ولديهم أكثر من 5200 رخصة تجارية لشركات ومؤسسات ومنشآت قائمة على مستوى الدولة، وهذه تبدو أكثر دقة عندما نعرف أن موظفا واحدا يكفل بنفسه أكثر من 2000 عامل موزعين على 20 شركة، وموظفا آخر من صغار الموظفين يتراوح من 50 إلى 70 رخصة.
والسؤال المهم هنا، إذا كان هذا ما يمتلكه صغار الموظفين في الوزارة فماذا يمتلك كبار الموظفين فيها؟
إن هذه الأرقام كشفت لنا بصراحة ووضوح عن مدى خطورة تغلغل مثل هذه الحالة في المؤسسة ومدى عمق الخلل الذي أصاب منظومة الوظيفة والجهاز الإداري في الوزارة طوال السنوات السابقة، والتي تم فيها عدم تطبيق وتفعيل القوانين التي تمنع صاحب الوظيفة من ممارسة أي عمل تجاري، وتفرض عليه أن يقطع صلته تماماً بعد توليه المنصب بأي مشروع تجاري.
وتكشف لنا أيضاً أسباباً قد تكون عند البعض غير منظورة تتعلق بحالة الخلل الذي أصاب التركيبة السكانية والتي وصلت إلى مرحلة خطيرة تعاني منها الدولة، وأعني بذلك أن دور هؤلاء الموظفين داخل الوزارة تحول من دور حارس وضابط ضد هذا الخلل في التركيبة السكانية وضد هذا النوع من التجارة إلى دور مروج ومساعد على زيادة هذا الخلل وزيادة هذا النوع من التجارة، وذلك بعد أن تحولت هذه الرخص التي يمتلكها هؤلاء الموظفون إلى أبواب ودكاكين في يد المستثمرين الأجانب، للحصول على أكبر كم من التأشيرات، ودخول أكبر عدد من العمالة الوافدة إلى داخل الدولة مقابل مبالغ مادية مغرية ومن ثقب هذه الأبواب حدثت تجاوزات خطيرة، فظهرت أبواب أخرى غير شرعية لهذه التجارة، لذلك لا يجب أن نتعجب أو نستغرب من دخول أشخاص مختلين عقلياً يرتكبون جرائم عديدة أو عصابة متخصصة تسرق البنوك والمحال التجارية أو عصابة تقوم بتصفية حساباتها مع الغير على أرض الدولة أو مجموعة جاءت بهدف ممارسة التسول أو القيام بأفعال منافية للأخلاق أو ارتكاب أفعال شاذة. هكذا حوّل البعض وظيفته في مقابل المادة إلى سلاح ضد أخلاقيات الوظيفة وقوانين الدولة.
أنا مع وزير العمل في كل خطواته الإصلاحية، ضد موضوع المتاجرة بالتأشيرات والتي جعلها من أولويات برنامجه الإصلاحي، فهو أولاً: يريد تطبيق وتفعيل نصوص قانون الخدمة المدنية الذي تم تغييبه طوال السنوات السابقة خاصة فيما جاء في المادة 64 من القانون الاتحادي رقم (8 لسنة 1973) في شأن الخدمة المدنية في الحكومة الاتحادية والقوانين المعدلة له والتي تنص على أنه:"يحظر على الموظف بصفة خاصة أن يجمع بين وظيفة ووظيفة أخرى أو أن يزاول أي نشاط مهني أو تجاري أو مالي يتصل بنشاط الجهة التي يعمل بها بنفسه أو بالوساطة".
وهو ثانياً: يتصدى لمشكلة تتعلق بموظفين يستغلون وظائفهم الحكومية لتحقيق مصالحهم الشخصية وتتعلق بمستثمرين يعتمدون اختيار كفلائهم من موظفي الوزارة بهدف إنجاز معاملاتهم بعيداً عن القانون، وكل ذلك على حساب مصلحة المؤسسة والوطن.
ومن الطبيعي أن تحدث أمام هذه المواجهة بين الوزير والموظفين من أصحاب الرخص ثورة غضب وموجة استقالات لأنهم عاشوا سنوات طويلة دون مساءلة، وهذه الرخص تدر عليهم الملايين، وأصبح بعضهم اليوم من أصحاب الثروات الطائلة، وأكبر دليل على ذلك أنه عندما خيّرهم الوزير بين الوظيفة أو الرخصة اختاروا الرخصة على الوظيفة وخدمة الوزارة. كل ما أتمناه هو أن تجد هذه الخطوات الإصلاحية في وزارة العمل دعماً كبيراً من الصحافة المحلية والرأي العام والأقلام الوطنية وأن يجرى تفعيلها في جميع وزارات ومؤسسات الدولة.