شأنها شأن سيارات الأجرة في "هافانا" فإن مفاعلات الطاقة النووية الأميركية قد جرى استخدامها بكثافة، وبرغم أهميتها البالغة للاقتصاد إلا أنها أصبحت عتيقة وقديمة في حقيقة الأمر، إذ أن أكثرها حداثة يعود إنشاؤه إلى عام 1973. والآن وبعد عقود من الزمان فإن أربعاً من شركات الطاقة الكهربائية العملاقة أعربت عن رغبتها القوية في إنشاء مفاعلات جديدة تستخدم فيها أفضل الطرق التي تعلمتها في السابق. وإلى ذلك فقد تقدمت كل من شركة "أنتيجري" و"إكسلون" و"دومينيون" بطلبات تنتظر الموافقة النهائية على مواقع يتم بناء هذه المفاعلات الجديدة فيها على الرغم من عدم إعلانهم عن طلب هذه المفاعلات إلى الآن. أما الشركة الرابعة "ديوك باور" فقد عقدت اجتماعاً مع لجنة تنظيم الشؤون النووية يوم الاثنين الماضي بعد أن أصبحت في المراحل الأولى للتقدم بطلب للحصول على ترخيص للمفاعل الذي ترغب في بنائه أو المكان الذي سيتم فيه البناء حيث إنها لم تكشف النقاب عن نوع المفاعل.
وفي داخل غرف مجالس إدارات هذه الشركات أخذت تتمدد الرسومات والتصاميم الخاصة بهذه المفاعلات الجديدة وبعضها يستخدم "الغرافيت" أو غاز "الهليوم" أو "البلوتونيوم" أو "الصوديوم" المذاب بحيث تنتج "الهيدروجين" بدلاً من الكهرباء. ولكن الخبراء متفقون بشكل عام على أن هذه المفاعلات التي ستدخل الخدمة في القريب العاجل ستتميز بتصاميم متطورة، ولكن ليس إلى الدرجة التي تحدث فيها انقلاباً أو ثورة في مفاهيم عمل هذه المفاعلات. وذلك لأن هذه المرافق لم تصبح جاهزة بعد لاستيعاب قفزة تكنولوجية عملاقة، وما زالت ترغب في إنتاج ما كانت تنتجه من قبل ولكن بطريقة أفضل بقليل. لذا فإن هذه المفاعلات الجديدة إذا ما تحقق وجودها في غضون الخمسة أعوام القادمة، فإن المهندسين والميكانيكيين هم وحدهم الذين سيتسنى لهم ممارسة ما تعلموه من قبل، بينما يتعين على الفيزيائيين الانتظار لفترة قادمة. ويقول "جيفري اس. ميريفيلد" أحد الأعضاء الخمسة في لجنة تنظيم شؤون الطاقة وهو يخاطب أكثر من 1400 شخص من المسؤولين في الصناعة، في اجتماع الثلاثاء الماضي الذي عقد في المقر الرئيسي للجنة: "لقد تميزت العروض بكثير من الإبداع". قبل أن يجري مقارنة مع صناعة السيارات مشيراً إلى أن الشركات المنتجة للسيارات تعمد عادة إلى عرض السيارات الجديدة في المعارض وهي تجتذب المشترين، ولكن عندما يتعلق الأمر بعملية الشراء عادة ما يفضل هؤلاء المشترون اختيار سيارة من نوع "فورد F-150 " أو سيارة "تويوتا كامري" بدلاً من هذه السيارات الجديدة.
ومن خلال محادثة هاتفية طرح الدكتور "أندرو. سي كاداك" الخبير والأستاذ في معهد "MIT" والرئيس السابق لشركة "يانكي" للكهرباء الذرية التي ساعدت في تشغيل العديد من المفاعلات، طرح بعض الأفكار العملية وهو يقول: "إذا كنت بصدد الشراء حالياً فإنني أفضل مفاعلاً يقلل إلى الحد الأدنى من الاعتماد على أنظمة التبريد التفاعلي في إحداث التبريد الطارئ". ومضى يشير إلى أن هذا المفاعل يجب أن يتميز ببعض التغيرات الصغيرة من أجل زيادة الكفاءة والفاعلية بالإضافة إلى تسهيل العمل فيما يختص بطبيعة الديكور الداخلي. وعلى سبيل المثال كما يشير الدكتور "كاداك" فإن هذا المفاعل سيصبح أكثر سهولة في عملية الصيانة إذا ما توقف المصممون عن وضع المضخات والصمامات بعيداً عن المنصات والسلالم. وهو يقول مفسراً هذا الأمر: "امنحني المزيد من المساحة بحيث أتمكن من إخراج المضخة دون الحاجة إلى تفكيك ثلاثة أجزاء أخرى".
وإلى ذلك فإن التغيرات الجوهرية التي يمكن إدخالها على المدى الطويل تتضمن "منصة الكوارتز" التي تستخدم الوقود بحيث لا يمكن ذوبانه عند درجات الحرارة التي يصل إليها المفاعل واستخدام "الصوديوم" السائل في نقل الحرارة بما يسمح باستمرار العملية وسط درجات حرارة عالية ومزيد من الاستخدام الأمثل لـ"اليورانيوم" أو "البلوتونيوم". وتعتبر شركة "ويستينج هاوس" إحدى الشركات التي تحاول تسويق مفاعل "AP 1000" الذي يتضمن المزيد من التطورات التكنولوجية الحديثة حيث يزيد إنتاجه على 1000 ميجاواط مع تحقيق قدر ملحوظ من السلامة حيث يحتاج فقط إلى نصف الصمامات القديمة وإلى التخلي عن 83 في المئة من الأنابيب وثلث المضخات المتعلقة بالسلامة. وفي التصاميم الجديدة نجد أيضاً أن أنظمة التبريد الطارئ قد جرى تحويلها إلى خزان في أعلى المفاعل. وهذه التغييرات ستسمح لنظام التبريد الطارئ بالعمل حتى في حالة عطل جميع الأجزاء الحالية في المفاعل كما تشير شركة "ويستينج هاوس" التي تحاول بيع أربعة مفاعلات من نوع "AP 1000" إلي الصين. وقد دخل المفاعل "AP 1000" في منافسة حادة مع المفاعل الأوروبي الذي يعمل بالمياه المضغوطة "ERP"وهو من إنتاج شركتي "فراماتوم" الفرنسية و"سيمنز" الألمانية اللتين امتلكتا الخبرة اللازمة في هذه التكنولوجيا، في ظل استمرار البلدين في بناء المفاعلات بعد توقف الولايات المتحدة وقد أطلق على هذا المشروع المشترك اسم "أريفا".