"أعلنت مصادر حكومية إسرائيلية يوم الاثنين الماضي أن إسرائيل تعتزم بناء آلاف المنازل الجديدة في أراضى الضفة الغربية المحتلة لتعزيز قبضتها على ''القدس الكبرى'' وأن هذه المناطق لن تعود أبداً إلى الفلسطينيين". ليس مجرد خبر جديد قادم من إسرائيل تتناقله وكالات وتمضي القافلة العربية إلى اجتماع القمة العربية المنعقد في الجزائر لتدارس الملفات القديمة الجديدة، ملفات رحلت من عام لعام ومن قمة اللاءات العربية الشهيرة إلى المبادرات العربية الأشهر. مبادرة الأمير عبدالله في قمة بيروت طرحت تصورا للسلام مع إسرائيل متخذا القرارات الدولية مرجعية على أساس عودة الأراضي المحتلة بعد 1967 وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة عاصمتها القدس والاعتراف بحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة. وبالتالي التطبيع الشامل مع إسرائيل. في حينها وافقت الأطراف العربية على تلك المبادرة إذ واقعيا لا تمتلك الدول العربية رفاهية إعلان الحرب على إسرائيل، ولا خيار السلام المنفرد فكانت في موقف اللاحرب واللاسلم أسوأ الخيارات، حينها كان رد شارون حاسما على المبادرة بتصعيد حملته ضد الانتفاضة الفلسطينية وبحصاره للرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات في مقره برام الله، ثم حملة الاغتيالات المعلنة للقيادات الفلسطينية، وبعد كل هذا تصعيد وتيرة بناء المستوطنات في الأراضي المحتلة وبناء الجدار العازل أي عمليا رفض صريح لخطة السلام العربية.
الأغرب من كل ذلك أن يستمر الجدل وكعادة العرب قبل بدء الجلسات الرسمية للقمم العربية حول سبل إعادة صياغة المبادرة العربية للسلام التي رفضتها إسرائيل مرارا منذ طرحها، وتمحور الجدل حول اقتراح أردني بإعادة صياغة مبادرة الأمير عبدالله حتى تقبلها إسرائيل بصيغتها المعدلة. حقيقة نعجز عن استيعاب التناقض والتخبط العربي الواضح! فإسرائيل قالتها صريحة وعلى لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية بـ"أن العرض في صورته الحالية لن يؤدي إلى شيء" وأن "الفكرة التي تقضي بأن العرب لن يتحدثوا إلى إسرائيل إلا بعد أن نحل جميع مشكلات الشرق الأوسط هي فكرة سلبية وهزيمة للذات".
النكبة العربية أن العرب يعيدون إنتاج نكباتهم ونكساتهم ويستمر الجدل من مهرول ومطبع ورافض للتطبيع ومطبع خجول حتى انفضت الجموع عن السرب، فهل ستكون قمة الجزائر قمة التطبيع غير المشروط مع إسرائيل؟ وأي تعديلات ستعيد تجميل المبادرة العربية حتى تكون مقبولة لإسرائيل بما يعني المزيد والمزيد من التنازلات العربية التي لا يقابلها إلا المزيد من التعنت الإسرائيلي وتغيير الحقائق على الأرض وأخبار بناء المستوطنات.
أن تكون التنازلات والمصافحات العربية الإسرائيلية في إطار العلاقات الثنائية أهون من أن تكون تحت إطار الجامعة العربية، فالهرولة غير المفهومة لإسرائيل بدون مقابل أو مصلحة طويلة الأمد للمهرولين، لا تعني أن تنقل مفردات الهرولة إلى أروقة الجامعة المتهاوية على نفسها. الاختلافات عميقة رغم التجميل الإعلامي فأهم ملف وأقدم ملف عربي "الصراع العربي الإسرائيلي" هو آخر الحرائق العربية المشتعلة في بيت متهاو لم يعلن رسميا عن سقوطه بعد لأسباب بيروقراطية بحتة.
سيغيب من يغيب ويحضر من يحضر، وحقيقة أن اجتماعات الجامعة العربية أصبحت عبئا عربيا على الرأي العام العربي الحالم منذ ستين عاما بقطار الوحدة الهادر من القمم العربية، آمال وخيبات عنوان لمسلسل القمم العربية. قمة الجزائر المثقلة بالملفات من تفعيل مبادرة السلام العربية إلى ملف إصلاح الجامعة، وملف التطوير والتحديث في العالم العربي وصولاً إلى "القضايا المصيرية الحرجة" فإذا نجحت القمة العربية أم لم تنجح، من يبالي؟ هل كان الانعقاد لمجرد الانعقاد وهو النجاح أم التوصل إلى تسويات وقرارات باهته هو مقياس النجاح أم التوصل إلى بيان ختامي يرضي جميع الأطراف ويصادر الاختلاف؟، أهكذا يقاس النجاح؟ من حقنا أن نسأل القادة العرب.