قبل العمل الإرهابي الذي استهدف مسرحاً ملاصقاً لمدرسة بريطانية بالدوحة وأوقع قتيلاً و21 جريحاً - بيومين - نقلت الصحف عن موقع أصولي تسجيلات للعوفي، قائد "القاعدة" في السعودية والذي قُتل - يُحرض فيه خلايا للقاعدة في قطر والبحرين وعُمان والإمارات بضرب الأهداف الغربية والصليبيين. لم نعتقد في حينه جدية التهديد، ولم نظن بوجود خلية قاعدية في الدوحة. ولكن ها هو الإرهاب يضرب قطر في إطار المسلسل الإرهابي الذي يستهدف المنطقة كلها ولتلحق قطر بأختيها السعودية والكويت.
تُرى من تكون التالية؟
قبل 25 عاماً وبالتحديد في 25-5-1981 اجتمع قادتنا في لقاء تاريخي مصيري في أبوظبي برئاسة المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان - رحمه الله وأسكنه فسيح جناته - وفي مدينة أبوظبي ولد مجلس التعاون، ومن اطلع على السفر الوثائقي والممتع للدكتور عبدالله بشارة الذي كان شاهداً لذلك الحدث العظيم، يدرك المخاض الصعب الذي رافق ولادة المجلس، كانت الأخطار محدقة، ورياح هوجاء عاتية تكاد تعصف بأمن الخليج، فالحرب بين الجارتين اللدودتين في عنفوانها ومخاطرها كبيرة، ولم يكن أمام قادتنا إلا الاعتصام بالأمن الجماعي المشترك، وقد نجح المجلس الذي كاد يكمل "يوبيله" الفضي في درء تلك المخاطر الخارجية عن شعوبه.
نعم كان الخطر الخارجي هو همُّ الخليج الأعظم ونجح في درئه، ولكن الذي يتهددنا اليوم هو "الخطر الداخلي" الذي استشرى وبدأ يعيث في مجتمعاتنا فساداً ودماراً وإزهاقاً للأرواح. لقد كنا نسمع بالحوادث الإرهابية في مصر والجزائر وكنا نظن الخليج في مأمن منها وقد ثبت خطأ ظننا. فالخطر كان بين ظهرانينا وأيدينا.
نعم الإرهاب هو الهاجس الخليجي الأعظم الآن، فماذا نحن فاعلون أمام هذا التحدي الجديد؟ المواجهة الأمنية فاعلة ولكن كيف يستطيع الأمن مواجهة ما لم يقع بعد؟ الخلايا النائمة لا نعرف أين تضرب ضربتها ومتى؟ فالمواجهة الأمنية لا تكفي، والوقاية خير من العلاج. لقد قال الأمير نايف "الإرهاب ليس فعلاً مادياً فحسب وإنما فكر منحرف" ولأن الإرهاب أشبه بالقمة الظاهرة لجبل الجليد ولكن ما خفي في الأعماق أعظم.
هناك من لا يزال يردد أن الإرهاب لا وطن له ولا دين وأنه موجود في كل الدول ولا يفيدنا ذلك بعد أن ثبت أن جميع الوقائع الإرهابية وراءها.... شبابنا الذين تربوا في المنطقة ورضعوا من ثقافتها وتعلموا عبر منابرها.
وهناك من يستسهل لوم الخارج وإلقاء المسؤولية على السياسات الأميركية في المنطقة أو الأوضاع المحبطة أو يعلل الإرهاب بوجود مظالم من قبل أنظمة خليجية أو أوضاع اجتماعية استفزازية... إلخ. كل ذلك ذرائع الإرهاب الظاهرة، يتعلل بها منظرون أيديولوجيون تستضيفهم فضائياتنا، يحدثون شبابنا عن الظلم الأميركي والانحياز الغربي والحقد الصليبي.
ولكن الحقيقة التي يجب إبرازها وتأكيدها، هي أن الإرهاب فكر عدواني، كاره للحياة والأحياء، وقد استولى على نفسية محبطة نتيجة خبرات طفولية قاسية، وقد وجدت هذه النفسية القلقة، بيئة مواتية، ومناخاً اجتماعياً وثقافياً تحريضياً ضد الغربيين والأميركيين بالذات، زيّن له أن عمله العدواني جهاد واستشهاد، يضمنان الجنة وحورها.
لقد ساهمت في خلق هذا المناخ التحريضي العدائي (4) منابر هي:
1- المنبر الإعلامي وبالذات - الفضائي- الذي يبث الأطروحات الإرهابية ليل نهار، ومشاهد العنف والقتل والأشخاص الملثمين، ويستضيف - غالباً - رموزاً دينية وقومية ذات أفكار شمولية، تبرر وتعلل الأعمال الإرهابية وتعلقها على المشجب الأميركي والإسرائيلي، دون أية استضافة لمن ينقد هذا الطرح الإرهابي والشمولي بهدف النظرة المتوازنة التي تعصم الشباب من الاستقطاب والانحراف الفكري. ولعلنا نتذكر حديث الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم - ولي عهد دبي وزير الدفاع في دولة الإمارات- في افتتاح مؤتمر "الإعلام العربي في عصر المعلومات" حينما قال: "الفكر الشمولي أفقد إعلامنا دوره النهضوي".
2- المنبر الديني: الذي لا يزال أسير مقولاته ومفاهيمه ومفرداته القديمة حول "الغزو الفكري" و"الغرب الصليبي" و"الغرب الإباحي" دون أية محاولة للانفتاح على الثقافات ومعطيات العصر وتحولاته.
3- المنبر الإلكتروني: الذي اتخذه الإرهابيون معبراً مفضلاً لبث سمومهم.
4- المنبر التعليمي: الذي يقوم على رأي أحادي تلقيني، فيتخرج شبابنا لا يملك القدرة التحليلية والفكر الناقد الذي يعصمه من الأفكار المنحرفة، فضلاً عن أن التعليم العربي لا يعزز ثقافة وقيم الديمقراطية والتسامح وقبول الآخر المختلف ديناً أو مذهباً أو جنساً أو قومية. إذا أردنا مواجهة الإرهاب وحماية الجيل القادم فعلينا أولاً الاعتراف صراحة بأننا قد أخفقنا عبر نصف قرن من التعليم والتربية والتثقيف والتوعية الدينية والإعلامية في تحصين شبابنا أمام الإرهاب، وثانياً علينا تحمل مسؤولية إعادة النظر والمراجعة في مجمل المنظومة المجتمعية، نقداً وتقويماً.
ما دلالات العمل الإرهابي في قطر؟