خلال الأيام التي مرت منذ أن قام الرئيس بوش بإعلان ترشيح "بول وولفوفيتز" مساعد وزير الدفاع الأميركي لتولي منصب رئيس البنك الدولي، بدا بعض الديمقراطيين والأوروبيين وكأنهم متحرجون من التعبير عن قلقهم بسبب هذا التعيين. فعلى سبيل المثال، أدلت "نانسي بيلوسي"، زعيمة الأغلبية في مجلس النواب الأميركي بتصريح قالت فيه إن ذلك الاختيار "يصعب فهمه". كما أدلى وزير التنمية الألماني بتصريح لـصحيفة "فاينانشيال تايمز" قال فيه:"نحن لا نرى طوفاناً من الحماسة يجتاح أوروبا القديمة لهذا الترشيح".
وكان من الطبيعي أن يؤدي ترشيح "بول وولفوفيتز" لمنصب رئيس البنك الدولي خصوصا بعد أن قام بوش بتعيين "جون بولتون" سفيراً للولايات المتحدة لدى المنظمة الدولية، إلى إثارة مخاوف لدى البعض من احتمال أن يكون هدف بوش من وراء ذلك هو ملء المنظمات الدولية بالعقائديين الأميركيين الذين يعارضون فكرة التعاون الدولي في حد ذاتها.
بيد أن هناك فارقا مهما بين "وولفوفيتز" و"بولتون". ففي الوقت الذي يظهر فيه "بولتون" وكأنه يعارض جوهر الهدف الذي قامت من أجله الأمم المتحدة، فإن السيد "وولفوفيتز" يؤيد فكرة قيام الدول المتقدمة باستخدام مواردها في دعم الديمقراطية، ودعم قضية الرخاء في كافة أنحاء العالم.
ويذكر أن "بول وولفوفيتز" كان قد وصف مهمة البنك الدولي المتعلقة بتخفيف حدة الفقر في العالم بأنها "واحدة من أهم التحديات الأخلاقية في عصرنا"، وهو ما يجعلنا نقول إن "وولفوفيتز" هو الشخص المناسب القادر على بناء الدعم لهذه المهمة الحرجة خلال فترة إدارة بوش.
وفعالية "وولفوفيتز" في منصبه الجديد كرئيس للبنك الدولي، ستتحدد بناء على رغبة أميركا والدول الأخرى في المساهمة بتقديم الموارد المالية اللازمة للبرامج غير العسكرية.
ومن المتوقع أن يكون "وولفوفيتز"، ولأسباب بيروقراطية بحتة، هو المدافع الأول عن تقديم المساعدات الخارجية.
وإذا ما أخذنا في اعتبارنا أن الولايات المتحدة تأتي في المركز الأخير في قائمة الدول الصناعية الرئيسية، فيما يتعلق بمساهمتها المالية في المساعدات الخارجية، وإذا ما أخذنا في اعتبارنا كذلك أن الحزب الجمهوري، كان تاريخيا من منتقدي تقديم المساعدات الخارجية، فإن كون المدافع الأول الجديد عن المساعدات الخارجية "وولفوفيتز" هو من الأشخاص المقربين من الرئيس بوش، يمثل ولا شك خبرا طيبا في حد ذاته.
وبعض النقاد يعارضون تعيين "وولفوفيتز" في منصب رئيس البنك الدولي، على أساس أنه كان الرجل المسؤول عن العديد عن الإخفاقات السياسية والعسكرية الأميركية في العراق.
قد يكون صحيحا أن المدنيين في البنتاجون كانوا مهملين في التخطيط لمرحلة ما بعد انتهاء الحرب في العراق، وأنه لم تكن هناك قوات أميركية كافية، وكان هناك عدد قليل من خطط الطوارئ لتأمين البلاد ضد أي تمرد محتمل. وقد يكون صحيحا أيضا أن "وولفوفيتز" كان ساذجا، عندما تنبأ بأن القوات الأميركية سيتم النظر إليها كقوات تحرير وليس كقوات غزو من قبل العديد من العراقيين، وأن جزءا كبيرا من عمليات إعادة الإعمار يمكن تمويله بواسطة عائدات النفط العراقي، ولكن يجب علينا أن نعرف أن كل ذلك كان يتعلق بالوسائل وليس بالدوافع.
أما دوافع "وولفوفيتز" فكانت في الحقيقة جديرة بالثناء، وتتفق مع تقاليد المثالية في السياسة الخارجية، وهي التقاليد التي آمن بها الحزبان الرئيسيان في مختلف العهود والتي تتمثل في: استخدام القوة الأميركية لمحاربة الطغيان، ودعم القيم الديمقراطية.
إن حركة المحافظين الجدد تتميز جزئيا عن غيرها من حيث رغبتها في إنفاق الموارد الأميركية- العسكرية والاقتصادية- لدعم الديمقراطية. وعلى رغم أن "وولفوفيتز" قد أظهر أنه يفتقر إلى التقدير السليم للأمور في المسائل العسكرية، إلا أنه عندما يقود البنك الدولي، فإنه لن يقود جيشا، وإنما حملة شاقة لبناء الاحترام وحكم القانون، والانفتاح، والحكم الرشيد من خلال مشروعات التنمية والتعاون الدولي.
وأعضاء المنظمات والمؤسسات الدولية المعنية بتقديم المساعدات، يشعرون بالخوف من أن يقوم "وولفوفيتز" بتقويض المهمة المركزية للبنك الدولي والتي تتمثل في تقليص الفقر. فمنظمة السلام الأخضر أو "جرينبيس" على سبيل المثال وصفت تعيين "وولفوفيتز" في منصبه الجديد بأنه "كارثة"، لأنه سيعمل على منح الأولوية لمصالح الولايات المتحدة ومصالح صناعات النفط.
ولكن "وولفوفيتز" أوضح بجلاء أنه سواء تعلق الأمر بتقديم مساعدات لدول مثل بورما وإيران - وهي دول تعارضها الولايات المتحدة، أو سواء تعلق بتفضيل الأميركيين إعطاء منح لا ترد للدول بدلا من القروض، فإنه يدرك تماما أن طبيعة دوره الجديد تتطلب منه إجراء تغيير على الطريقة التي يقوم بها بعمله.
وفي هذا السياق أدلى "وولفوفيتز" بتصريح قال فيه إنه لو أصبح رئيسا للبنك الدولي فإن مهمته ستركز على اكتشاف "ما إذا كان سيستطيع تكوين إجماع للآراء على مثل هذه الأشياء أم لا" ولن تركز أبدا على دف