تحتشد "الميثولوجيا" الإغريقية القديمة بوحوش وكائنات خرافية لها رأس أسد وجسم شاة وذنب حية، ولكن كائنات اليوم فيما يبدو قد تم استحداثها لأغراض مختلفة. فقد أصبح العلماء يأملون عبر مزج وخلط جينات مختلف الحيوانات في فهم أفضل لبيولوجية الإنسان قبل التوصل إلى اختبار أدوية جديدة أكثر سلامة ودقة، والتوصل إلى زرع أكبر كمية من الأعضاء في جسم الإنسان ومعالجة المزيد من الأمراض التي تصيب البشر. ففي إسرائيل شرع الباحثون مسبقاً في وضع الخلايا الجذعية للأجنة البشرية في أجنة الكتاكيت، وفي سويسرا بدأ العلماء في استحداث فئران لديها أنظمة المناعة البشرية، وفي ولاية "منيسوتا" تمكنوا من إنتاج خنازير تسري فيها دماء أشبه بالدماء البشرية بينما في ولاية "نيفادا" تم استيلاد نوع من الضأن لديه كبد إنسان.
على أن العديد من الأشخاص يجدون أن الفكرة برمتها مرفوضة من الناحية الأخلاقية. فقد عكف الباحثون في مجال الأخلاق المتعلقة بعلوم الأحياء على دراسة السبل الكفيلة بمعالجة المشكلة وهم يوازنون ما بين الفوائد والمخاطر المحتملة، حيث انهمك مجلس الأخلاق في علم الأحياء التابع للرئيس في دراسة هذه الكائنات الإنسانية-الحيوانية. وخلال الشهر القادم ستفرج الأكاديميات الوطنية للعلوم عن آرائها الخاصة بمدى أخلاقية هذه المبادرات. بل إن الكونجرس من جانبه بدأ في التحقيق فيها بهدف صياغة مشروعات قوانين بشأنها. وفي النهاية فإن الناشطين في مجال الأخلاق سيتعين عليهم مناقشة العديد من الأسئلة ينصب أهمها على دراسة المميزات التي يختص بها الجنس البشري ومتى يصبح هذا الكائن الجديد أكثر إنسانية، وإذا ما أظهر هذا الكائن نوعاً من السمات الفيزيائية أو السلوكية الإنسانية فلماذا يعتبر هذا الأمر نوعاً من الخطأ؟ وعلى كلٍ، فقد ظلت صمامات قلب الخنزير تستخدم كبديل لصمامات قلب الإنسان لسنوات طويلة، إلا أن التجارب على الأدمغة التي تبدو أكثر قرباً في تأثيرها على هوية الإنسان أو الحيوان قد أفضت إلى جدل أكثر احتداماً. وعلى سبيل المثال فقد اقترح "إيرفينج ويسمان" الباحث في جامعة "ستانفورد" استحداث فأر لديه دماغ يحتوي على أعصاب بشرية بنسبة مئة في المئة. وبعد دراسة مثل هذا الفأر ربما يتوصل الباحثون إلى علاج لأمراض مثل "باركنسون" و"الزهايمر" كما يقول.
ويقول "جاسون روبرت" عالم الأحياء في جامعة ولاية "أريزونا" في مدينة "تيمبي": "إن العلماء باتوا يواجهون الكثير من الضغوط فيما يختص بالخلق والإبداع من أجل التوصل إلى حلول تقرب الفجوة بين البحوث الأساسية والعلاجات الطبية. ولكن ما زال من غير الواضح أن بناء هذه الكائنات المزدوجة سيؤدي إلى حل المشكلة". وهناك عامل آخر يتسم بمزيد من التعقيدات وهو أن البحوث باتت تتضمن استخدام الخلايا الجذعية وهو أمر ما زال يتسم بالجدل والاختلافات، حيث تقول "كاينثيا كوهن" كبيرة الباحثين في معهد "كينيدي" للأخلاقيات التابع لجامعة "جورج تاون" في واشنطن ومستشارة الحكومة الكندية في بحوث الخلايا الجذعية: "لقد انصب معظم تركيزنا على وجهة النظر الأخلاقية فيما يتعلق بالأجنة البشرية، بحيث أغفلنا أن هنالك العديد من المسائل الأخلاقية الأخرى التي طفت على السطح". وتمضي قائلة: "إن أكثر ما يثير مخاوفنا هو استحداث نوع من الكائنات التي ربما تتصرف مثل الإنسان بينما لا تزال تتميز بمظاهر أكثر قرباً للحيوان". وبشأن الأشياء التي تجعل الإنسان أكثر تميزاً وتفرداً تدعي "كوهن" أن هناك "مجموعة من الخصائص" التي يتميز بها البشر أو تلك التي يعبر عنها الإنسان بدرجة أكبر بكثير من الحيوان بما في ذلك القدرة على التفريق بين الصحيح والخطأ واتخاذ القرارات والتصرف بشأنها بالإضافة إلى التفكير المعقد والإعراب عن العاطفة. وأضافت "كوهين" أن الحفاظ على تفرد هذه الخصائص هو الذي يؤدي إلى المحافظة على الكرامة الإنسانية. ولكن التجارب المقترحة في "ستانفورد" ليس من المرجح أن تفضي إلى إنتاج فأر يتمتع بالخصائص السلوكية الإنسانية كما يشير "هنري جريلي" أستاذ القانون في جامعة "ستانفورد" ورئيس لجنة الجامعة التي ظلت طوال عامين تقدم الاستشارة لـ"ويسمان" بشأن التأثيرات الأخلاقية لهذا المشروع. ويقول "جريلي" الذي يعمل أيضاً مديرا لمركز "ستانفورد" للقانون وعلوم الأحياء: من المؤكد أننا سنشعر بقلق شديد في حال وقف أحد الفئران ذات مرة على ساقيه الصغيرتين وهو يصيح قائلاً: "أنا ميكي ماوس انظروا إلي". ولكنه قال أيضاً: "لقد توصلنا إلى أن هذه التجارب إذا ما تم تنفيذها بشكل جيد فإن الأمر سيتم بطريقة أخلاقية". ويذكر أن حجم مخ الفأر يبلغ واحداً على الألف من مخ الإنسان وقد جرى تصميمه بشكل مختلف جداً مما يجعل من غير المحتمل أن يتسم بالسلوك أو التفكير الإنساني. وكانت اللجنة قد أوصت "ويسمان" بضرورة اختبار الفأر في كل مرحلة من مراحل التطور. وإذا ما تم اكتشاف أية مؤشرات تدل على وجود تشابه مع الخصائص الإنسانية يجب التوقف عندها ودراسة المدى الذي يمكن أن تمضي فيه