هكذا بدا الخبر لمعظم المراقبين يوم السادس عشر من مارس 2005، الرئيس بوش يقدم إلى المجلس التنفيذي للبنك الدولي مرشحاً لرئاسته - يتفق عليه عادة- هو الدكتور "بول وولفوفيتز"، نائب وزير الدفاع الأميركي الحالي، وهذا معناه أن مجموعة المحافظين الجدد من أتباع نظرية "التنين" لـ"توماس هوبز"، أي نظرة التفرد بالقوة، في المجتمع والعالم، استطاعت أن تواصل فرض الهيمنة الأميركية في كافة المواقع الدولية.
والمجتمع - والعالم- عند "توماس هوبز" المفكر الإنجليزي للقرن السابع عشر- هو نتاج اتفاق جماعي على خلق "السلطة المطلقة" (التنين) التي تدير شؤون أفراده الأنانيين.
ورغم اتفاقهم- بكامل حريتهم في الحالة الطبيعية الأولية- إلا أنهم يحتاجون للسلطة المطلقة لتحميهم من الدمار الناشئ عن أنانيتهم. ويتطلب ذلك انفراد العقل الحاكم بالسلطة واعتماده التخويف لتحقيق الأمان (السلام) بل والسعي لتحقيق السمعة أو الشهرة (المجد) لهدف حمائي للآخر من التفكير في التحدي! ولذا فالدولة عنده (أو المركز العالمي عند وولفوفيتز) هي الدولة القائمة على القوة لردع الشر الذي يميز إرادات البشر و"تجنب الصراع من بينهم ولو بأقسى أساليب العنف". ومن هنا تتحول الدولة إلى "التنين" القادر على القمع.
من هنا جاءت نظرية القوة، والمركز، والتدخل، والحرب ضد "الأشرار" عند المدرسة "الهوبزية" التي تسمى بالمحافظين الجدد في البنتاجون والبيت الأبيض. وتقوم منذ تصاعدها في الإدارة الأميركية على مبدأ "إجبار" الأفراد أو المجتمعات على التنازل بكل ديمقراطية وحرية للسيد المطلق ليدير العالم، وليتلقوا منه التشريع الذي يحميهم. وقد يفسر ذلك تصريحات الرئيس بوش عند تعيين "وولفوفيتز"، بأنه ذكي وله خبرة طويلة في إدارة المنظمات الكبرى مثل البنتاجون، وأن البنك الدولي منظمة كبرى مماثلة ولذا سيديرها بكفاءة، ويعمل على مكافحة الفقر!.
وقد كثرت التعليقات والتحليلات حول تعيين "بول وولفوفيتز" في هذا المنصب الاقتصادي العالمي، وهو الذي لم يدر اقتصاداً ولا مالاً من قبل. ودهش البعض من تعويض "وولفوفيتز" عن وزارة الحرب التي تمسك بها "رامسفيلد"، بمنظمة مثل البنك الدولي... إلخ، ولكن أحداً لم يهتم بالمعنى الرمزي لهذا التعيين، مثل تعيين المتطرف "جون بولتون" سفيراً لأميركا في الأمم المتحدة، وهو معنى تأكيد السلطة المطلقة للولايات المتحدة في إدارة "عالم من الأشرار" يحتاج لمنطق "القوة" وليس منطق الدبلوماسية أو منطق الاقتصاد. والتفكير الهادئ هنا لابد من أن يتصور كيف تحرص الإدارة الأميركية على أن تبلغ رسالة لمتحديها وأصدقائها على السواء، أنها لا تسيطر على العالم عسكرياً فقط ولكنها تريد السيطرة -برجالاتها المحافظين- على السياسة، والاقتصاد على مستوى العالم أيضاً.
ولقد لاحظت كيف سارعت بعض المصادر الأفريقية بوصف هذا التعيين بـ"الاختيار المرعب" مثلما صرحت بعض الشخصيات من جنوب أفريقيا، بل وسارعت بعض القيادات النقابية بالقول إنه "صدمة" أحدثها من عيّن هذا المحافظ المتطرف ليعالج قضايا "الفقراء"على النحو الذي ذكره الرئيس الأميركي!.
ولعل الذين ذكروا موقف "وولفوفيتز" المتوقع إزاء مخصصات القروض والمساعدات من البنك الدولي للدول النامية، تذكروا موقفه بعد احتلال العراق من حجب مخصصات "إعمار العراق" وأمواله عن أية شركات ومقاولات أخرى غير الأميركية منها، بل وربط البعض صراحة بين هذا الموقف وكيف سيطبق حالاً من قبل البنك على دولة مثل إيران، أو قائمة الدول التي أسمتها كتابات "وولفوفيتز" بالدول "المارقة" أو الشريرة.
وفي إطار أفكار وخطط "وولفوفيتز" بدأت الدول النامية تراجع قائمة مواقفه من قضايا تخص مفاوضات منظمة التجارة العالمية حول الملكية الفكرية بالذات - فضلاً عن المنتجات الزراعية بالطبع- ودوره في قضايا البيئة واتفاقية "كيوتو" بشأنها، وتعميقه للسياسة الأميركية عامة حول أولوية حرية التجارة على المساعدات الاقتصادية أو ما سمي في البيت الأبيض والكونجرس منذ مدة "Trade not Aid" ولذا يمكننا تصور وقع صدمة هذا التعيين على أصحاب حملات "إلغاء الديون" كأحد أساليب "تخفيض حدة الفقر" بدلاً من ادعاء محاربته أو القضاء عليه "Eradication" كما تردد بعض الدوائر منذ عقد من الآن!.
وقد لفت نظري فيما تابعته من هجوم أو دفاع عن تعيين "وولفوفيتز" قول أحد أصدقائه كيف أن "وولفوفيتز" استفاد من فترة عمله سفيراً في إندونيسيا (1986 - 1989) لدراسة قضايا الدول النامية ومعرفة تأثر الديمقراطية بالتنمية، وهذا ما قد يجعله يفاجئ العالم بأفكار في التنمية شبيهة بأفكار "روبرت مكنمارا"، وزير الحرب على فيتنام، الذي صار وجهاً محبوباً في البنك الدولي طوال السبعينيات لدعمه لقضايا "التنمية". وأظن أن مثل هذا الرأي قد يجد رواجاً في منطقة مثل منطقتنا أكثر من غيرها، طمعاً في أمل يحميها من المخاوف.
لكن الشعوب العربية لابد أن تدرك مخاطر إدارة عشرين ملياراً من الدولارات سنوياً في أعمال البنك الدولي