يعد تعيين "بول وولفوفيتز"، رئيساً للبنك الدولي، انتصاراً كبيراً للمحافظين الجدد الموالين لإسرائيل، علماًَ بأن هذا التيار، هو الذي صاغ وشكل السياسات الأميركية الشرق أوسطية، لولاية بوش الرئاسية الأولى، وهو نفسه التيار الذي لا يزال يتمتع بنفوذ كبير في ولاية بوش الثانية هذه. ولكن لا يزال على المجلس الإداري التنفيذي للبنك الدولي، الموافقة على ترشيح "وولفوفيتز" رئيساً له، من قبل الرئيس جورج بوش. وتعد هذه الموافقة مهمة، بالنظر إلى تمثيل المجلس الإداري للبنك، لحملة الأسهم الدوليين الأعضاء في البنك. غير أنه لا تحيط شكوك جدية بهذه الموافقة، على رغم بوادر عدم الارتياح لهذه الخطوة، بل وحتى التعبير عن مشاعر الصدمة، لدى الدوائر الأوروبية ذات العضوية في البنك الدولي.
وفي الحقيقة فإن "وولفوفيتز"، شخصية مثيرة للكثير من الجدل والخلاف. فبصفته نائباً لوزير الدفاع، فإن السبب الرئيسي لشهرته -أو لسوء سمعته بالأحرى- كونه مهندساً أول للغزو الأميركي على العراق. فما أن وقعت هجمات الحادي عشر من سبتمبر على كل من نيويورك وواشنطن، حتى بدأ "وولفوفيتز" حملة ترويج منظمة، لفكرة شن حرب أميركية على العراق، متعللاً في ذلك بأن صدام حسين، يمثل خطراً على الأمن القومي الأميركي، أكثر جدية مما يمثله أسامة بن لادن! أما فكرة "تغيير نظام بغداد"، فهي فكرة ظل يروج لها "وولفوفيتز"، على امتداد الجزء الغالب من عقد التسعينيات كله. وقد تحقق له ما أراد بالفعل، في التاسع عشر من شهر مارس من العام قبل الماضي، 2003. ففي ذلك التاريخ، غزت الولايات المتحدة العراق واحتلته. وتحت طائلة ذلك الغزو، لقي أكثر من 10 آلاف عراقي حتفهم، وأطيح بنظام الحزب الواحد الحاكم في بغداد، بينما جرى تفكيك مؤسساته، وتسريح جيشه وقواته، وبات الآن يواجه خطر التمزق الداخلي. وعقب تلك الحرب، لم تقم قائمة للعراق، بوصفه قطباً عربياً بارزاً للقوة العسكرية، كما كان من قبل. ومع زوال تلك القوة العسكرية، جرى إضعاف العالم العربي بأسره. عودة إلى "وولفوفيتز"، فإن الكثيرين من العراقيين، وقلة من العرب الآخرين، يتشوقون لرؤية "وولفوفيتز" معلقاً على حبل المشنقة، بسبب ما فعله بالعراق، وبصفته مجرم حرب من الطراز الأول. لكن وبدلاً من ذلك، فقد كوفئ "وولفوفيتز"، وها هو يتولى الآن رئاسة أكبر مؤسسة مالية دولية معنية بمهام التنمية.
وبهذه المناسبة، فإن علينا أن نتساءل عن ماهية الأفكار الرئيسية التي شكلت فكر "وولفوفيتز" وزملائه من المحافظين الجدد وصقور واشنطن؟ أولى هذه الأفكار وفي مقدمتها على الإطلاق، الاعتقاد الراسخ لدى أفراد هذا المعسكر، بتطابق المصالح الأميركية والإسرائيلية. فما يصب في خانة مصلحة إسرائيل، لابد بالضرورة أن يصب في خانة مصلحة الولايات المتحدة الأميركية أيضاً. أما الفكرة الرئيسية الثانية فتتلخص في عناد ومثابرة الدعوة لاستخدام القوة العسكرية الأميركية، في عملية إعادة تشكيل منطقة الشرق الأوسط، بما يخدم مصالح كل من إسرائيل والولايات المتحدة معاً. لذا فقد مثلت الإطاحة بنظام صدام حسين، خطوة البداية نحو التحول الجذري للمنطقة بأسرها، وإعادة قولبتها وتشكيلها، بحيث تكون مؤيدة وتابعة لكل من الدولتين المذكورتين أعلاه. أما نظام صدام حسين، فقد كان ينظر إليه من ناحية، على أنه مصدر تهديد أمني مستمر لإسرائيل، علاوة على ما يمثله من خطر على الهيمنة الأميركية الإقليمية على دول منطقة الخليج العربي الغنية بالموارد النفطية، من الناحية الأخرى. وكان الاعتقاد السائد لدى دوائر المحافظين الجدد، أن إزالة نظامه ستزيل معها كلا المهددين المشار إليهما.
وتتلخص الفكرة الثالثة في أن يتبع "تغيير الأنظمة" - بدءاً بالعراق، على أن تتبلوه كل من سوريا وإيران، وربما يطال كلاً من مصر والمملكة العربية السعودية- مشروع فرض الديمقراطية واقتصاد السوق الحرة في جميع هذه البلدان. ويتبع هذا الاعتقاد ويستكمله الزعم بأن هذا التحول المفروض من الخارج، يمثل السبيل الأنجع والأكثر فاعلية، لتجفيف منابع "الإرهاب الإسلامي الأصولي"، والحد من خطر نموه وانتشاره. ثم يستنتج من هذا، افتراض آخر، مؤداه أن السبيل الأفضل لحماية الأمن القومي الأميركي، هو المضي قدماً في إصلاح العالمين العربي الإسلامي، مع جواز استخدام القوة في فرض هذا الإصلاح، إن دعت الضرورة.
إلى هنا نكون قد بلغنا الفكرة الرابعة - وهي التي قلما تناولتها وسائل الإعلام- وتتلخص في أن المكاسب الاستراتيجية الأميركية، ربما تتحقق على نحو أفضل في العراق، فيما لو جرت عملية خصخصة احتياطات النفط العراقية، تحت سيطرة ورقابة شركات النفط الأميركية. توازي هذه الفكرة، رغبة جامحة في إخراج العراق من عضوية منظمة الدول المنتجة والمصدرة للبترول "أوبك"، مما يعني تجريد العالم العربي من سلاح السيطرة على السوق النفطية العالمية، علماً بأن هذه السيطرة هي التي تمنح العرب مصدر قوتهم وقدرتهم على معارضة السياسات الأميركية إزاء المنطقة، لا سيما على س