يبدو أن "الحساسية" باتت عنوان المرحلة في العلاقة بين بعض المسؤولين والصحافة، فالزوبعة المثارة في العلاقة بين شرطة الشارقة والصحافة المحلية، هي انعكاس لممارسات تتكرر في أوقات مختلفة وبأشكال وردود فعل متفاوتة، والحساسية أيضا يمكن أن تلحظها في طريقة معاملة الصحفيين في بعض الوزارات والدوائر الحكومية الأخرى، حيث الصحفي يعامل باعتباره "متطفلا" أو في أحسن الأحوال "غير مرغوب به" لا باعتباره عين المجتمع، حيث يفترض أن تمارس الصحافة دورها كسلطة رابعة، وأن "يتاح" لها أداء هذا الدور ويحمى بسياج واقٍ من القانون أولا، ثم من ثقافة الشفافية وحق الناس في المعرفة ثانيا. وبالطبع فإن هذه الحساسية واردة في رحلة الصحافة المحلية للتحليق نحو سقف الحريات والخوض في مساحات جديدة كانت مظلمة أحيانا ومجهولة أحيانا أخرى. وبالتالي حدث نوع من الاندفاع في البحث عن الثغرات والخروقات، وتولّد في كثير من الأحيان شعور بأن هناك "سباقا" في النقد وكشف السلبيات بين الصحف، وهذه نقطة إيجابية انطلاقا من أن الرهان يبقى دائما على مقدرة الممارسة على ترشيد السلوك وتقويم أي اعوجاج، وبالتالي فالمشكلة ليست في الصحافة ولا في أساليب النقد ولكنها بالأساس في وجود قناعات راسخة لدى البعض بأن الصحافة وجدت لتنشر صورهم وتسوّق "إنجازاتهم" وتدافع عنهم منتجين ومصيبين أو مخطئين ومتكاسلين، ولكن عندما تأخذ الأمور طريقها الصحيح وتمارس الصحافة دورها الحقيقي تكشف هذه القناعات عن نفسها بسرعة البرق وينشأ سوء فهم وتتباعد المسافات وتتضاءل مساحات التفاهم لمصلحة لغة التعتيم والصد والطرد والأبواب المغلقة!
سوء الإدراك هذا ناجم بالأساس عن قناعات غير صحيحة لدى بعض المسؤولين، ومعالجته مرهونة بزوال أسبابه، وأن يدرك هؤلاء أن انتقاد المؤسسة لا يعني انتقاد الشخص وإنما النقد موجّه إلى أسلوب الإدارة وسياساتها وهذا حق يمارسه المجتمع. ولذا لا بدّ من البحث عن أرضية مشتركة تبدأ باقتناع الجميع بأن المصلحة العامة هي الغاية والهدف المشترك للصحافة والمسؤولين معا وضرورة أن تتسع الصدور للنقد وألا يقابل النقد بالاستياء والامتعاض ما دام الحديث ولغة النقد يدوران داخل دائرة أدب الحوار واحترام منظومة القيم الاجتماعية، وأن يدرك الجميع أن الشفافية ونقد الذات ومواجهة السلبيات تحديات ينبغي أن نواجهها من أجل دفع مسيرة التنمية. فالتعتيم الإعلامي هو بوابة الشائعات في عالم يقاس فيه التقدم بشفافية المعلومات وحرية الوصول إليها. ولذا من الضروري وضع النقاط على الحروف في العلاقة بين الصحافة والمسؤولين، فالعلاقة بالأساس تعاونية تكاملية لا صراعية والشكوك المتبادلة لا تخلق بيئة عمل جيدة للطرفين بل تهيئ الأجواء أمام النفخ في أي سوء فهم ولو صغير وتضخيمه بما يكفي لتوتير هذه العلاقة وحرفها عن مسارها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية