الإنسان هو الإنسان في أي زمان ومكان، يتغير ويتأثر بالظروف والبيئة المحيطة به، وهذا ما تعكسه الأبحاث، ففي دراسة مسحية أجريت مؤخرا على عينة من الطلبة النرويجيين، اتضح أنهم أقل طلبة الدول الاسكندنافية طموحا، وأن أبناء النرويج - وهي ثالث دولة مصدرة للنفط بعد السعودية وروسيا وتتمتع بواحد من أكثر الأنظمة سخاء على رفاهية مواطنيها- لا يقبلون على التضحية بأوقات فراغهم لمصلحة مستقبلهم المهني. وأشارت الدراسة كذلك إلى أن 29% فقط من طلبة الاقتصاد النرويجيين يطمحون إلى أن يصبحوا من كبار المديرين، وقالت الدراسة إن الطلبة النرويجيين عندما سئلوا عن رغبتهم في التضحية بقضاء الوقت مع الأصدقاء والأسرة لمصلحة مستقبلهم المهني لم تتجاوز نسبة من وافقوا على ذلك حد الـ 9%!. أما في الصين فتقول إحدى الدراسات إن الشباب ينفق حاليا أكثر بألف مرة مقارنة بأهلهم على حفلات الزواج وتجهيز المنازل، حيث ينفق شاب اليوم في المتوسط نحو 24 ألف دولار على عرسه أي ما يوازي مدخرات أهله طيلة حياتهم مع ملاحظة أن الإنفاق الزائد في الصين لا يرتبط بالرفاه الاجتماعي، بل يعد نتاجاً لظهور "جيل الطفل الواحد". وفي "هونج كونج" تشير دراسة إلى أن الترف أصبح أسلوب حياة لدى الملايين السبعة من سكان الجزيرة، التي تصنف في مرتبة ثانية بعد اليابان من حيث حجم الاستهلاك داخل القارة الآسيوية!. وفي إحدى دول "التعاون" نقلت مجلة فرنسية عن خبراء شكواهم من تدني الأداء لدى أكثرية المواطنين في القطاع العام، وقدر البعض معدل الإنتاجية للموظف بما لا يتجاوز ثماني دقائق يوميا!!
نقول ذلك ليس من باب استعراض الأرقام أو تجارب الآخرين، ولكن للتعرف إلى المزاج العام في دول بعضها يتشابه معنا اقتصاديا، فالترف وانعدام الطموح وغياب الدافعية قواسم تكاد تكون مشتركة وليست حكرا على بعض مواطنينا وهذه ليست بالطبع محاولة تبريرية بل إننا نحاول "التشخيص" سعيا وراء "العلاج". صحيح أن لدينا مواطنا يرى في جنسيته "جواز مرور" يسهل له الحياة، وهناك أيضا "مواطن مهنته مواطن" ولكن بالمقابل هناك غالبية تعمل بجدية وتسعى نحو النجاح والتميز وتنادي بتهيئة المناخ أمامها لإنضاج مهاراتها وإبراز قدراتها، وهذه الفروق قائمة بنسب متفاوتة في المجتمعات البشرية كافة. وإذا كان الكسالى المتواكلون مسؤولين عن سلبيتهم فنحن أيضا مسؤولون بدرجة ما، ولا ينبغي أن نكتفي بإلقاء اللوم عليهم فهم نتاج غرسنا وتربيتنا ومناهجنا التعليمية، ونحن شجعناهم - وما زلنا- على هذا النمط من الحياة حين نظمنا لهم مزادات على لوحات السيارات المتميزة، وأرقام الهواتف الفريدة، وأغلقنا في وجوههم أبواب الرياضة والمنافسة، واكتفينا بابتسامة تعاطف حين بحت أصوات بعضهم من شكوى البطالة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية