رفسنجاني: عودة اللاعب الخفي... مشروطة بخامنئي


يثير إعلان الرئيس الإيراني السابق علي أكبر هاشمي رفسنجاني، عن ترشحه "المحتمل" لانتخابات الرئاسة الإيرانية القادمة، وسط ساحة موعودة ببروز تحالفات جديدة وبوادر انشقاق تطال معسكري الإصلاحيين والمحافظين على السواء، جملة واسعة من التوقعات والتساؤلات المتعلقة بدوافع وأهداف التحركات الحالية لرفسنجاني في اتجاه العودة مجددا إلى منصب الرئاسة بعد 8 أعوام قضاها خارج أسواره! فقد أعرب في تصريح أدلى به الثلاثاء الماضي لعدد من رؤساء تحرير الصحف المحلية عن "شعور متزايد بالمسؤولية" كلما اقتربت الانتخابات، قائلا إنه "إذا لم يوجد بين المرشحين شخص كفء، وإذا أحسست أن إدارة البلاد باتت تعتمد عليّ وحدي، فتأكدوا أني سأعود".


ومن غير المرجح أن تشير تلك "المشروطية" على نية رفسنجاني خوض السباق الرئاسي في مايو القادم، وقد ألمح إلى هذه النية مرارا طوال الأشهر الأخيرة، سوى إلى أنه - في المقام الأول- قد اتخذ قراره النهائي بهذا الشأن، وأنه في المقام الثاني حصل على ضمانات من مرشد الجمهورية علي خامنئي وباقي مراكز القوى وبعض الجهات الخارجية المؤثرة. فرفسنجاني الذي يرأس "مجلس تشخيص مصلحة النظام" منذ إنشائه، يعد شخصية بارزة ومؤثرة ومحورية في النظام الإيراني؛ فهو محافظ معتدل وبراغماتي؛ يؤيد نظام السوق الحر وسياسة الانفتاح واستقدام الاستثمارات الأجنبية، ويدعو إلى بناء إيران كقوة إقليمية رئيسية.


وينحدر رفسنجاني من أسرة تنتمي إلى الطبقة الوسطى، وقد ولد عام 1934 في قرية بهرمان التابعة لمدينة رفسنجان بمقاطعة كرمان (جنوب شرق)، وفيها تلقى دروسه الابتدائية، ثم تابع دراسته الدينية في مدينة قم حيث تخرج في نهاية الخمسينيات برتبة "حجة الإسلام" على يد آية الله الخميني، فانضم إلى حركة المعارضة بقيادة أستاذه ضد نظام شاه بهلوي، واعتقل إثر ذلك أكثر من مرة بسبب نشاطه السياسي، وبعد قيام الثورة الإسلامية عام 1979 لمع نجمه في سماء السياسة الإيرانية وأصبح موضع ثقة للخميني وأهم المقربين إليه؛ فعين عضوا في أول مجلس قيادة للثورة، وتولى عدة مناصب وزارية، وشارك في تأسيس "الحزب الجمهوري الإسلامي"، وأصبح رئيسا لأول برلمان في العهد الجديد، ثم ترأس البرلمان في دورته الثانية حتى عام 1989، عندما انتخب رئيسا للجمهورية.


وأسس رفسنجاني لنفسه قاعدة سياسية تضم طيفا واسعا من المؤيدين، وكانت خبرته في الداخل والخارج وانتهاجه مبدأ الوسطية وراء إعادة انتخابه بأغلبية ساحقة لولاية رئاسية ثانية بين عامي 1993 و1997؛ حيث قاد البلاد خلال سنوات "إعادة البناء والتعمير" التي كانت بصماته عليها واضحة؛ في مجالات المياه والطاقة والزراعة والطرق البرية. وقد حاول تخليص إيران من مشاكلها الاقتصادية، وكان المهندس الأول لعملية رسم السياسة الإيرانية في المنطقة والعالم؛ فقد أقنع الخميني بإيقاف الحرب مع العراق، ورسم التحالف مع سوريا و"حزب الله" والمنظمات الفلسطينية، وأبقى إيران بعيدة عن حرب الخليج الثانية التي أدانها، وعمل على تجديد علاقتها مع الغرب، وأنهى خصامها مع الرياض وعواصم عربية أخرى.


ويعد رفسنجاني اللاعب الخفي والمؤثر في مشروع التسلح الإيراني؛ فبعد وصوله إلى الحكم قرر تحسين علاقاته مع روسيا، وحين قام بأول زيارة إلى الخارج كانت إلى موسكو حيث أبرم اتفاقية عسكرية سرية طويلة الأمد، تشمل تشغيل وتطوير المفاعل النووي الإيراني في بوشهر، كما تعاون مع الصين في إنجاح برنامج التسلح النووي. وقد اعترف في الآونة الأخيرة بأن بلاده اضطرت في ثمانينيات القرن الماضي، إلى اللجوء إلى السوق السوداء للحصول بشكل سري على تلك التكنولوجيا، لذلك رفض على الدوام أي تنازل بشأن البرنامج النووي الإيراني. ويحظى موقفه المتشدد حول الملف النووي، وهو أيضا موقف التيار المحافظ، بإجماع شعبي واسع داخل إيران، وقد أكد عليه في تصريحاته الصحفية وفي خطب صلاة الجمعة التي أمها خلال الأسابيع الأخيرة.


ويمتلك رفسنجاني قاعدة نفوذ واسع، بفضل كونه رجل دين معمماً ووجهاً قيادياً في النظام الإسلامي ورئيساً سابقاً وصاحب ثروة كبيرة ويتمتع بشبكة علاقات داخلية وخارجية واسعة، علاوة على أنه الأب الروحي لحزب "كوادر البناء" بقيادة ابنته النائبة فائزة رفسنجاني، لذلك أظهرت نتائج استطلاعات الرأي الأخيرة أنه سيكون المرشح الأكثر شعبية، ومن ثم أصبح ترشيحه يثير انقساما في صفوف التيار المحافظ الذي لم يحسم بعد خياره بين خمسة مرشحين معلنين.


 إلا أن الموقف العام لهذا التيار يعارض "رأسمالية" رفسنجاني، ويتذكر دوره في صعود الإصلاحيين عام 1997. أما التيار الإصلاحي فيؤيد بعضه ترشيح رفسنجاني باعتبار أن ذلك من شأنه أن يحول دون وصول محافظ متشدد إلى سدة الرئاسة، لكنهم ينتقدون "ليبراليته" التي لا تعمل إلا في مجال الاقتصاد وكونه لا يعبأ بالانفتاح الثقافي. لكن رف