تشير نتائج الاجتماعات والاتصالات سواء كانت جماعية أم ثنائية إلى أن التنافس الاقتصادي بين الأقطاب الدوليين على أشده، وخاصة بين الولايات المتحدة واليابان والاتحاد الأوروبي، وهذا التنافس سيبقى عاملاً مهماً في تحديد هوية الدول المهيمنة على شؤون العالم، أو التي ستقود العالم في المستقبل القريب.
وكما يوضح المشهد العالمي فإن عولمة النشاط الاقتصادي أدت إلى تبدل العلاقات بين اللاعبين الدوليين في كل منطقة، رغم أن هذا التأثير يبقى غير مؤكد حتى الآن، فالتكيف مع الأسواق العالمية يبدو أكثر وضوحاً في المناطق التي تقع دولها في مركز الاقتصاد العالمي كأميركا الشمالية وأوروبا وشرق آسيا. وبالنسبة للاتحاد الأوروبي فإن دوله قامت بتعزيز وضعها كقوة اقتصادية فاعلة بضم دول عديدة من شرق أوروبا إلى عضوية الاتحاد. إن ذلك يحدث بعد أن توجت أوروبا تعاملها الاقتصادي فيما بينها عن طريق إصدار عملتها الموحدة.
إن الولايات المتحدة قامت بالدفع لعقد اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية "نافتا" مع كندا والمكسيك، وقامت الشركات اليابانية العالمية بتنظيم وربط أسواق شرق آسيا عبر الاستثمارات وإنشاء الشركات الفرعية. أما في مناطق العالم الأخرى فإن قضايا من قبيل القدرات الاقتصادية المتدنية، ونقص التمويل والتكنولوجيا والفرص التجارية والاستثمارية المتاحة، خلقت عقبات أمام استراتيجيات الإصلاحات الاقتصادية، رغم أن التوجهات المتعلقة بالسيطرة على مقدرات هذه المناطق تبدو واضحة.
ورغم الوضع الذي تبدو عليه الولايات المتحدة الآن كقوة عسكرية واقتصادية وحيدة مهيمنة على شؤون العالم، إلا أنها تبدو مضطرة أيضاً إلى إعادة تقييم دورها العالمي على ضوء ما يحدث في العراق. ويبدو أن راسمي السياسة ومتخذي القرار فيها يعلمون أنه لابد لبلادهم من التصدي لمهمة بناء سياسة خارجية جديدة تتماشى مع أوضاع ما بعد غزو العراق. ويلاحظ أن ما يحدث في العراق، وما حدث في الحادي عشر من سبتمبر وفي أفغانستان، وما هو حاصل بالنسبة لمكافحة الإرهاب، وما يحدث بالنسبة لتبلور ظهور السوق العالمية الواحدة تشكل نقاط تحول تاريخية وتخدم كوعاء مثالي لتواجد حوار داخلي في الولايات المتحدة وذلك إثر بقاء الجمهوريين في الرئاسة لمدة أربع سنوات أخرى. إن ذلك الحوار سيعطي قضايا رئيسة تتعلق بالسياسة الخارجية والدفاع ومكافحة الإرهاب مع تركيز شديد على السياسة الخارجية بشقها الاقتصادي.
وبشكل مشابه لما يحدث عند الحديث عن قضايا السياسة الداخلية، فإن النقاش حول دور الولايات المتحدة العالمي في هذه المرحلة المتسمة بوجود قطب دولي واحد لا منافس له، يتصف ببروز عدد من التنظيرات والمسائل والمواقف المتناقضة. إن ذلك الأمر يعكس حقيقة أن كل نقاش يدور، وكل فئة تشارك فيه لها أجندتها وأهدافها الخاصة التي تريد تحقيقها. وعلى ضوء ذلك فإن العالم أجمع يتصور وبشكل لم يسبق له مثيل في تاريخه أن تسود الكرة الأرضية عدالة اقتصادية تطال آثارها جميع الشعوب الفقيرة والمسحوقة في العالم، وأن يصاحب تلك العدالة الاقتصادية تأييد للديمقراطية وحقوق الإنسان والحقوق المدنية والمساواة أمام القانون وحقوق الأقليات المستضعفة وحق تقرير المصير وعالم يسوده النظام واحترام القانون وحماية البيئة العالمية ومنع تجارة الأسلحة والمخدرات والأسلحة النووية، والقضاء على الإرهاب.
والواقع هو أن العالم يطلب من الولايات المتحدة بالتحديد القيام بكل ذلك رغم علم الجميع باستحالة ذلك على المدى المنظور، نظراً إلى محدودية قدرة السياسة الخارجية الأميركية على تحقيقه دفعة واحدة، أضف إلى ذلك الصراعات الموروثة على مستوى العالم بالنسبة لهذه القضايا والمساومات المتبادلة الداخلة في صميم الاهتمامات العالمية المشار إليها. وبرغم أن الولايات المتحدة غير قادرة على تحقيق ذلك فإن دورها سيبقى قيادياً على مستوى العالم.