الصهيونية كما تعرف حركة عنصرية دينية استعمارية، عملت منذ نشأتها على تحقيق حلم الصهاينة الذي يتمثل في إقامة دولة خاصة لهم في فلسطين تسمى "إسرائيل" بواسطة الهجرة والغزو والعنف والإرهاب، على اعتبار أنه الحل الأمثل للمسألة اليهودية، من منطلق إيمانها الراسخ بموضوع الحنين إلى جبل صهيون وأن فلسطين هي أرض الميعاد لهم.
إن الأهمية التي جعلتني أتحدث عن هذا الموضوع الذي يمثل خنجراً مسموماً في قلب الوطن العربي، هي الأصوات اليهودية العالية التي ظهرت بقوة هذه الأيام في وسائل الإعلام تطالب العالم بأن يساعدها على إزالة إسرائيل من الوجود على أساس أنها دولة صهيونية استغلت المسألة اليهودية في تحقيق أهدافها الاستعمارية. وأهم هذه الأصوات حركة "ناطور المدينة" التي تتخذ من نيويورك مقراً رئيسياً لها، وتبدو هذه الصورة واضحة في الحديث الذي أجرته مجلة "الوطن العربي" الصادرة بتاريخ 11/3/2005 مع الحاخام اليهودي "وايسن ديفيد" من حركة "ناطور المدينة" الذي تركز الحديث فيه حول الحركة الصهيونية وما يسمى بدولة إسرائيل، حيث أشار في حديثه إلى نقاط غاية في الأهمية خاصة للذين يهرولون مسرعين تجاه إسرائيل والذين يطبّعون معها أو يريدون التطبيع معها لكسب رضا أميركا. حيث يقول: "إن إسرائيل ليست دولة يهودية بل إنها صهيونية، وإن اليهود غير الصهاينة يعارضون بشدة وجود هذا الكيان الصهيوني في المنطقة، وإنهم كحركة ومعهم الكثير من اليهود غير الصهاينة عارضوا بشدة قيام دولة إسرائيل، وكان ذلك في رسالة وجهت إلى الأمم المتحدة عام 1947 وإن القدس ليست عاصمة لإسرائيل وإن إسرائيل ليس لها الحق في احتلال أرض فلسطين وإقامة دولة عبرية عليها، وإن هذا الأمر وارد في التوراة والتلمود وإن التوراتيين المؤمنين حقاً بالتوراة يؤمنون أنه لا يجوز إقامة دولة إسرائيل وإن الله أرسلنا نحن اليهود إلى المنفى لأننا لم نكن على مستوى كافٍ من الورع والتقوى، لذلك فإننا أقسمنا على عدم العودة بشكل جماعي إلى تلك الأرض وعدم التمرد على أي أمة وعدم وضع نهاية لمنفانا. وإن الدولة العبرية دولة ضد الله وضد تعاليم التوراة والدين اليهودي، وإن وجودها تسبب في مآسٍ كثيرة للفلسطينيين واليهود، وإن الحركة الصهيونية التي كانت وراء إقامة إسرائيل حركة تعيش على الدم والدمار والقتل والإرهاب، وإن الصهاينة يستغلون عذابنا نحن اليهود لنصرة قضيتهم الصهيونية، وهم سبب "الهولوكوست" أو "المحرقة النازية" من الناحية الروحانية، لأنهم حرضوا هتلر على الشر، وهم أساس من يروج لفكرة أن العرب ضد السامية. وإن من حق الفلسطينيين المقاومة لاستعادة أراضيهم بالكامل، وإنهم كحركة ومعهم الكثير من اليهود لن يعترفوا بإسرائيل حتى لو اعترف بها العرب".
هذه التوجهات الفكرية اليهودية عند حركة "ناطور المدينة" التي تكشف بوضوح حقيقة مضمون هذا الكيان الصهيوني وأهدافه المسمومة في المنطقة، لا تختلف عن توجهات الكثير من اليهود غير الصهاينة في العالم، حيث تشير العديد من المصادر إلى أن يهود إنجلترا الأصليين كانوا من كبار معارضي المشروع الصهيوني منذ البداية وضد قيام دولة إسرائيل. وأيضاً هذا ما حدث عند العديد منهم في دول أوروبية عديدة. و"حايم نحوم أفندي" الحاخام الأكبر لليهود في مصر كان صريحاً للغاية مع الجالية اليهودية في مصر عند قيام دولة إسرائيل عام 1948، حيث قال لهم بصريح العبارة: "إنكم كيهود مصريين لستم مطالبين بالهجرة إلى دولة إسرائيل، وإن الذين هاجروا من مصر هم اليهود الأجانب، وإن الصهيونية هي التي تحرض على الهجرة إلى إسرائيل. وإنني أدعو يهود العالم أن يكون ولاؤهم لوطنهم الذي يعيشون فيه".
إن على الإعلام العربي دورا كبيرا في رصد وإبراز هذه الأصوات اليهودية التي تكشف حقيقة وأهداف الكيان الصهيوني المسمومة في المنطقة، وعلى الشعوب العربية أن تتيقظ جيداً للعبة السلام المغشوشة مع إسرائيل والتي تجري اليوم في المنطقة.