الكتاب الذي نقوم بعرضه في هذه المساحة هو "وراثة سوريا: الاختبار الصعب لبشار"، الذي سيصدر في الأول من مايو المقبل. والكتاب من تأليف "فلينت ليفريت"، الكاتب الأميركي، والزميل الزائر بمعهد "سابان" لسياسة الشرق الأوسط التابع لمعهد "بروكنجز"، والذي عمل مديراً لشؤون الشرق الأوسط بمجلس الأمن القومي الأميركي، ضمن طاقم تخطيط السياسات بوزارة الخارجية الأميركية، كما عمل أيضا لفترة من الوقت محللا بوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية.
يقول المؤلف في بداية كتابه، إن سوريا قد مثلت دائما مشكلة مستعصية لصناع السياسة الأميركيين، بسبب عوامل عديدة منها تأييدها النشط لمنظمات "إرهابية" تتخذ من دمشق مقرا لها، ودعمها لـ"حزب الله" اللبناني، واحتلالها للبنان القائم منذ ما يقرب من ثلاثين عاما. ومن ضمن الأسباب الأخرى التي جعلت من سوريا صداعا دائما للإدارات الأميركية المتعاقبة، تمسكها العنيد بضرورة انسحاب إسرائيل الكامل من هضبة الجولان، التي احتلتها في حرب يونيو 1967، كشرط مسبق لمشاركتها في أية مفاوضات سلام. ونظرا لكل تلك الأسباب التي تجعل من سوريا دولة مثيرة للقلق لأميركا، فإن الإدارة الأميركية قامت بإدراجها مؤخرا ضمن "محور الشر" الذي كان يضم إيران وكوريا الشمالية والعراق في الأساس، قبل أن تتم الإطاحة بنظام صدام حسين على النحو الذي رأيناه، وإحلال النظام السوري مكانه في القائمة. ولكن العامل الجوهري الذي يجعل من سوريا دولة ذات أهمية فائقة بالنسبة لمخططي السياسة الأميركيين - كما يرى الكاتب- هو أن سوريا تحتل موقعا استراتيجيا مهما في الشرق الأوسط، وأن هذا الموقع قد اكتسب أهمية مضاعفة عقب الغزو الأميركي للعراق، وأن هذه الأهمية ستزداد إذا ما وضعنا في اعتبارنا أن أميركا تفكر حاليا في إطالة أمد بقائها في العراق حتى تنتهي من إعادة إعماره، حسب ادعاءات مسؤولي الإدارة الأميركية الحالية. ينتقل المؤلف بعد ذلك إلى تناول التحديات الأمنية التي يشكلها سلوك النظام السوري - الذي يصفه المؤلف بأنه نظام يصعب التنبؤ بتصرفاته- على الوجود العسكري الأميركي في العراق، خصوصا بعد أن قام ذلك النظام - كما يقول- بإيواء البعثيين السابقين، واستقبال جماعات من الأصوليين العرب، وتوفير الدعم اللوجستي لهم، ثم إرسالهم إلى العراق للانضمام إلى قوات التمرد التي تقاوم الوجود العسكري الأميركي هناك،على الرغم من إصرار النظام السوري على إنكار الاتهامات الأميركية، ونفي تورطه في العراق بأي شكل من الأشكال. ويقول المؤلف أيضا إن الأمر الذي يفاقم من درجة خطورة التحديات التي تمثلها سوريا بالنسبة لأميركا في الوقت الراهن، هو أن صناع السياسة في واشنطن قد أخفقوا حتى الآن في رسم سياسة متماسكة وفعالة للتعامل مع دمشق، وهو إخفاق بدأ في عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد والد الزعيم السوري الحالي، ومازال مستمرا حتى الآن في عهد نجله بشار الأسد. وفي هذا السياق يقول المؤلف إن رحيل الرئيس حافظ الأسد، الذي سيطر على سوريا بقبضة من حديد لسنوات عديدة، كان قد أثار في حينه جدلا حادا في أميركا بخصوص مكانته ومكانة سوريا في المنطقة. وفي إطار هذا الجدل، ذهب البعض للقول إن المكانة المهمة التي تحتلها سوريا في المنطقة، ترجع إلى حنكة الرئيس الراحل وبراعته السياسية، وقدرته على المناورة، وعلى الاستفادة من أجواء الحرب الباردة.. في حين ذهب البعض الآخر للقول إن أهمية سوريا ترجع إلى موقعها الاستراتيجي المهم، ودورها المحوري في الصراع العربي الإسرائيلي. ويقول المؤلف إن الحيرة الأميركية تجاه التعامل مع النظام السوري استمرت حتى بعد وفاة الأسد وتولي ابنه بشار، طبيب العيون، الحكم هناك، والذي كان من الواضح منذ البداية، أنه لا يتمتع بالخبرة المطلوبة في شؤون الحكم بشكل عام، وشؤون السياسة الخارجية بشكل خاص، مما جعله مضطرا للاعتماد على فريق من كبار الخبراء في شؤون السياسة الخارجية والعسكرية والأمنية ينتمي معظمهم لرجال الحرس القديم الذين خدموا مع والده لفترة طويلة. ويذهب المؤلف للقول إن الصورة المفصلة التي يقدمها في كتابه للنظام السوري، وقد اعتمد في تقديمها على خبرته العميقة بهذا النظام، التي اكتسبها من خلال عمله لفترة طويلة في مؤسسات وزارة الخارجية الأميركية، يمكن أن تفيد صناع السياسة الأميركيين، فيما يتعلق بتحديد كيفية التعامل مع النظام السوري. وفي هذا الإطار، يقترح المؤلف استراتيجية جديدة جريئة لتحقيق الأهداف الأميركية الاستراتيجية، تقوم على تغيير أسلوب التعامل مع النظام السوري، والاعتماد على استراتيجية تقوم على مبدأ الاشتباك المشروط "Conditional Engagement" مع ذلك النظام الذي يصفه بأنه نظام غامض، ولكنه مهم في الوقت ذاته. وهذه الاستراتيجية تعتمد بشكل جوهري على المزج بين أسلوبي الترهيب والترغيب في ذات الوقت، أي التلويح بالعصا في وجه النظام السوري إذا ما حاول الخروج عن النص، ومد اليد الأخرى بالجزرة إليه لإغرائه على الامتثال. وينبه المؤلف إلى أن تلك ا