يثير الموقف الفرنسي من التطورات الحاصلة في المنطقة مؤخّرا تساؤلات عديدة و يطرح شكوكاً مشروعة حول طبيعة هذا الموقف. في الحقيقة تبرز في هذا الإطار قراءتان مختلفتان للموضوع، القراءة الأولى ترى أنّ فرنسا توقعت من حلفائها التاريخيين في المنطقة وفي مقدّمتهم سوريا تنسيقاً وتعاوناً أكبر في مواجهة الموقف الأميركي، وفي هذا السياق فاجأت فرنسا التحركات الدبلوماسية السورية بعد الحرب على العراق مباشرة والتي كانت، حسب وجهة نظرها، تقرّبا من واشنطن على حساب فرنسا خاصّة إثر تسرّب معلومات مؤكّدة إليها عن اجتماعات سورية- أميركية على مستويات مختلفة عسكرية واقتصادية وسياسية مما يخالف الاتّفاق الضمني بين باريس ودمشق. وبالتالي رأت فرنسا أنّه إذا كان حلفاؤها في المنطقة يتواصلون مع أميركا مباشرة فما مصلحتها هي في استبقاء العداء مع واشنطن؟ وفي هذا الإطار لابدّ أن تلقّن فرنسا سوريا درساً لتنازلها عنها مسبقا، لكنّنا نتحفّظ كثيرا على هذه القراءة ونراها منقوصة.
القراءة الثانية: تقول إنّ فرنسا شيراك تأثّرت بالأوضاع الداخلية التي شهدت تناميا للوبي الصهيوني الموالي لإسرائيل والمعادي لسوريا داخل حزبه، كما رأت فرنسا أنّ المعادلة وضعتها مباشرة في وجه أميركا كما أنّ أطرافاً آخرين كتركيا مثلا استفادوا من الموقف وأخذوا يستغلّون الهجوم الأميركي على فرنسا وتجييره لصالحهم في أية محادثات معها فيما يتعلّق بانضمامهم إلى الاتحاد الأوروبي. وبناءً على هذه القراءة ترى فرنسا أنّ أولويتها هي استعادة العلاقات الحسنة مع الولايات المتّحدة، خاصّة وأنّ عليها التعامل مع حقيقة أنّ جورج بوش قد تمّ انتخابه لولاية ثانية، في محاولة منها لإنقاذ ما تبقّى من مصالحها في المنطقة، وللاستفادة من المكاسب الأميركيّة وبالتالي يجب التضحية بإحدى الأوراق الفرنسية لكي تثبت ولاءها لأميركا، فكانت سوريا ولبنان على أمل أن تكسب فرنسا إيران ولا تضحّي بها.
وتبدو هذه القراءة أوضح لا سيما وأنّ التقارب الفرنسي-الأميركي بدا كأنّه استراتيجيّة مدروسة وليس تكتيكا آنّيا.
علي حسين باكير - لبنان