يقولون إن هناك قمة عربية يوم الأربعاء القادم ستعقد في الجزائر، ولكن لا أحد يقول ماذا تحمل هذه القمة أو لا تحمل أصلا في جعبتها من قضايا... ولكنها تبقى مناسبة احتفالية سنوية فاشلة سلفا، تؤكد أننا نتكلم عن كل شيء في اجتماعاتنا العربية ما عدا القضايا المصيرية المهمة والأحداث الخطيرة! وستبقى القمم العربية علامة بارزة في تاريخ العرب الحديث، تؤكد أنها الأمة التي دست رأسها في التراب حتى كاد التراب يغطيها فتندثر.
قد تكون للقمة العربية "أجندتها الخفية!" ولكن الملفت أن القادة العرب يجتمعون في إحدى الدول العربية، ورئيس الولايات المتحدة في البيت الأبيض هو الذي يتخذ القرارات التي تخص المنطقة ويرسم مستقبلها! والقمة صارت لا تفعل أي شيء، ولكن هذا لا يعني أن أي شيء لا يحدث، فالمكان لا يمكن أن يبقى بلا "فعل" وما دامت الساحة العربية خالية فهناك من يستغلها "ويفعل فيها ما يشاء" وهذا ما تقوم به الولايات المتحدة وبالتحديد الرئيس بوش.
يحاول الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش في ولايته الثانية، أن يقنع العالم بأنه نجح من خلال ما قام به في ولايته الأولى وأنه أرسى الديمقراطية، وأدخل الانتخابات إلى أفغانستان والأراضي الفلسطينية المحتلة والعراق مؤخراً... كما أنه يرى أن التظاهرات السلمية الأخيرة في بيروت، وخطوات الإصلاح الديمقراطي في مصر والمملكة العربية السعودية نتيجة لما قام به. وفي رسالته الإذاعية في الأسبوع الماضي قال بوش:"الحرية بدأت مسيرتها في الشرق الأوسط والعالم. والطريق أمامنا لن تكون سهلة، والتقدم قد يكون بطيئاً أحيانا"....
أما خطابه في جامعة الدفاع الوطني الأميركية الأسبوع الماضي، فقد كان فيه أكثر وضوحا عندما قال "يجب أن يكون واضحا الآن أن الحكم الاستبدادي لن يكون هو التوجه في المستقبل. إنه النفس الأخير لماض غير مشرف".. وأشاد بـ"ذوبان الحكم الاستبدادي" في الشرق الأوسط. وقال "إن فرص التقدم الديمقراطي في الشرق الأوسط الكبير بدت مجمدة على مدى عقود. ولكن وأخيرا وبشكل واضح ومفاجئ بدأ الجليد في الذوبان...".
بوش يدعي أنه يحول دول العالم إلى الديمقراطية... ومن حقه أن يحلم ويتمنى أي شيء وهو رئيس أكبر وأقوى دولة في العالم، وهو الرئيس الأول على الكرة الأرضية، ولا شك أنه يفكر في أن يدخل التاريخ من أوسع أبوابه، ويسجل اسمه في صفحاته على أنه الرجل الأميركي الأبيض الذي أدخل الديمقراطية في أقدم مناطق العالم، وغرس في أذهان أصحاب البشرة السمراء من العرب تلك الأفكار التقدمية عن الحرية والديمقراطية.
وإذا كانت هناك أحلام تاريخية للرئيس بوش يريد تحقيقها فليس هناك مكان أفضل في هذا العالم من الشرق الأوسط الضعيف والمنطقة العربية المنهزمة وفي نفس الوقت الغنية لتحقيق تلك الأحلام... فالأرض الخصبة للتغيير والإصلاح متوفرة هنا والثروة والنفط والكنوز مخبأة تحت هذه الأرض، والشعوب متعطشة إلى بعض ما يدعو إليه بوش فأين يجد مكاناً أفضل من هذا؟..!
مشكلة بوش الوحيدة في المنطقة هي أن الشعوب لا تستطيع أن تصدقه، ولا تستطيع أن تثق بأميركا، وبالتالي ستكون هناك معارضة دائمة لأفكار بوش مهما كانت قريبة من قلوب الشعوب.. وخصوصا أن يد أميركا الملطخة بدعم إسرائيل وتأييدها ما تزال تقهر العرب.
ومنذ عام والولايات المتحدة تقوم بدراسة لمحاولة فهم وجهات نظر العرب، وفهم أسباب الغضب العربي من سياساتها، وإمكانيات التعاون العربي الأميركي فيما هو أبعد من الأمن، واستكشاف إمكانيات المشاركة في التنمية الاقتصادية والتطوير، والتأثير على الجيل القادم من القادة العرب، من خلال برامج التبادل ومؤسسات المجتمع المدني، ويفترض أن نتائج هذه الدراسة قد ظهرت ولا أشك أنها اكتشفت أن الفجوة التي تفصل بين أميركا والعالم العربي واسعة جداً، ومن الصعب ردمها بمشروع بحثي يقوم به أحد مراكز الفكر والدراسات الاستراتيجية ليقترح على الإدارة الأميركية بعض السياسات البديلة، فقد رسخت أميركا موقعها في ذهن الإنسان العربي كدولة معادية للعروبة والإسلام من خلال انحيازها المطلق لباطل إسرائيل ضد الحق العربي، واحتلال العراق بحجج باطلة. فضلاً عن محاولتها السيطرة على النفط العربي، وإعلانها "الحرب على الإرهاب" وكأنها حرب على الإسلام.
وقد يكون من المفيد في الولاية الثانية للرئيس بوش أن يعطي اهتماما للنقاط السابقة والتي تعتبر جوهرية في تصحيح أي وضع غير طبيعي أو إزالة أي سوء تفاهم كما أن من المهم ألا تتجاهل الولايات المتحدة الأسلوب الأوروبي في التعامل مع العرب وقضاياهم، والذي يعتبر أسلوباً أكثر قبولا من الأسلوب الأميركي الذي يقوم على منطق (الأمر والعصا) بينما يعتمد الأسلوب الأوروبي على منطق (الحوار والجزرة).
في لبنان تابعنا حدثا غريبا خلال الأسبوع الماضي عندما عاد الرئيس عمر كرامي إلى رئاسة الحكومة بعد عشرة أيام من استقالته، وجلس على كرسي رئيس الوزراء رغم مطالبات شعبية باستقالته، وعاد وكأن شيئا لم يكن، وكأن الشعب لم يخرج ويطالبه ب