في نهاية شهر فبراير الماضي دخلت حيز التنفيذ بنود اتفاقية "كيوتو" الخاصة بالتقليل من انبعاث الغازات الحرارية والحد من ارتفاع درجة حرارة الأرض، وذلك على الرغم من رفض الولايات المتحدة الأميركية التوقيع على المعاهدة التي صادقت عليها 141 دولة، بما فيها دول مجلس التعاون الخليجي ومعظم البلدان العربية.
ربما يمر الكثيرون على هذه الاتفاقية مرور الكرام، إلا أن تلك الاتفاقية المسماة على اسم مدينة "كيوتو" العاصمة القديمة للإمبراطورية اليابانية تعني الكثير لنا، وبالأخص للبلدان المنتجة والمصدرة للنفط. وتكمن الفكرة الرئيسية أو الأهداف الحقيقية للاتفاقية في التقليل من استخدام الوقود الأحفوري، كالنفط والعمل على تطوير مصادر الطاقة البديلة، كالطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وكذلك الغاز الطبيعي، باعتباره نوعاً من الطاقة النظيفة.
البلدان الأوروبية تسعى من خلال هذه الاتفاقية إلى تقليل اعتمادها على النفط المستورد، وفرض ضريبة الكربون على وارداتها لدعم موازناتها التي تعاني من عجوزات دائمة، في حين تعارض الولايات المتحدة هذه الاتفاقية من منطلق اعتمادها على النفط بصورة أساسية كمصدر للطاقة، إذ تعتبر أكبر مستهلك ومستورد للنفط في العالم، وذلك على الرغم من تراجع الإنتاج الأميركي من النفط.
وفيما يتعلق بدول مجلس التعاون الخليجي، فقد اتخذت الموقف الصحيح بتوقيعها على هذه الاتفاقية، وذلك رغم كونها بلداناً منتجة للنفط، حيث إن عدم التوقيع سيوجه لها الكثير من اللوم، علماً بان بريطانيا مازالت مترددة حيال التوجه نحو التقليل من استهلاك النفط والذي ربما يضر بصناعاتها، كما أن إيطاليا متخوفة من التكلفة العالية للتطبيق، خصوصا وأن اقتصادها يعاني من التذبذب بشكل عام.
في كل الأحوال على البلدان المنتجة للنفط، بما فيها دول مجلس التعاون الخليجي أن تنظر بعين الجدية لهذا التطور في صناعة الطاقة العالمية، فالتطبيق سيؤدي إلى انخفاض الطلب على النفط على المدى البعيد، مما قد يخل بمستويات العرض والطلب في أسواق النفط العالمية، وبالتالي ينعكس بصورة سلبية على مستويات الأسعار.
من هذا المنطلق لابد وأن تكون لدى منظمة البلدان المصدرة للنفط "أوبك" استراتيجيتها بعيدة المدى في حال المضي قدما في التطبيق العملي لبنود الاتفاقية والتي تلزم البلدان الأعضاء بخفض انبعاث ثاني أكسيد الكربون وغيره من الغازات الحرارية المتولدة عن الوقود بنسبة 5.2%بين عامي 2008 و2012 أي في غضون أربع سنوات فقط، وذلك مقارنة بمستويات عام 1990.
بالتأكيد ليس من الضرورة أن ينخفض الطلب على النفط بهذه النسبة في السنوات الأربع المشار إليها، وذلك لعدة أسباب، يأتي في مقدمتها ارتفاع الطلب على النفط بسبب زيادة معدلات النمو الاقتصادي في العالم، وكذلك عدم انضمام الاقتصاديات الكبيرة والسريعة النمو، كالصين والهند لاتفاقية "كيوتو"، تلك البلدان التي يتزايد فيها استهلاك الطاقة بصورة سريعة وكبيرة، وذلك كنتيجة طبيعية للنمو المتسارع لاقتصاديات هذه البلدان.
يقابل ذلك إمكانية تراجع إنتاج النفط في العديد من بلدان العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة وبحر الشمال، وربما توقف إنتاجه بسبب نضوب الاحتياطيات في بلدان أخرى، علما بأن إنتاج النفط سيرتفع في نفس الوقت في بعض المناطق، كمنطقة الخليج العربي وبحر قزوين.
إذا هناك معادلة جديدة لصناعة النفط سوف تتبلور منذ الآن وحتى عام 2012 وستكون هناك مكاسب وخسائر وسيكون للتكتلات الاقتصادية القائمة، كالاتحاد الأوروبي دور بارز في تحديد موازين القوى في سوق الطاقة العالمي، حيث يتوقع أن يكون هناك دور موازٍ لـ"أوبك" باعتبارها اللاعب الأساسي المعبر عن مصالح البلدان النامية المصدرة للنفط.
بعد أقل من ثلاث سنوات سيكون العالم على موعد لتطبيق اتفاقية "كيوتو"، وهذه فترة زمنية قصيرة لابد من استغلالها من قبل البلدان الأعضاء في منظمة "الأوبك"، وبالأخص البلدان العربية لوضع السيناريوهات المحتملة والتي قد تنجم عن التطبيق العملي لهذه الاتفاقية، فالقضية الأساسية ليست بيئية فحسب، وإنما استراتيجية واقتصادية في نفس الوقت، فحتى عام 2020 سيكون هناك ستة ملايين سيارة في أوروبا وحدها تسير على الهيدروجين بدلا من النفط، حيث تسعى البلدان الأوروبية في الوقت الحاضر إلى حل بعض العقبات المتعلقة بالجوانب اللوجستية، مما سيعني تحولا آخر يحمل الكثير من الدلالات لصناعة النفط العالمية.