أحياناً يمكن للكاتب أن يستخلص من تعليق لقارئ ما يصعب أن يخرج به من قوالب ثقافية عدة، وقد فعلها أحدهم حين علق على الخبر الذي أوردته صحيفة "البيان" وكشفت فيه عن عدد مليارديرات الإمارات وأنهم بالعشرات وليسوا اثنين فقط كما أوردت مجلة "فوربس" الأميركية، وأن هنا" بضع عشرات" من المليارديرات في الإمارات وحدها. أحد القراء تبرع وأجرى عملية حسابية افترض فيها أن عدد مليارديرات الإمارات يقدر بـ 20 شخصاً يملك كل منهم على أقل تقدير مليار دولار، وقام القارئ بحساب زكاة أموال هؤلاء فكانت كالتالي - كما قام بحسابها - 2.5% من المليار دولار = 25 مليون دولار، وبضرب الناتج في عدد المليارديرات المفترض، كانت النتيجة 500 مليون دولار، وبتحويل المبلغ إلى الدرهم يصبح الناتج نحو مليار وثمانمائة وأربعين مليون درهم يمكن أن تخرج سنوياً في صورة زكاة أموال لهؤلاء المليارديرات ناهيك بالقطع عن أصحاب الملايين. وعلى الخلفية هذه طرح القارئ تساؤلا مشروعا مفاده: لو أنفقت هذه الأموال ووجهت إلى وجهتها الصحيحة، هل سيكون هناك محتاج أو فقير في دولة الإمارات؟! القارئ يشك في إمكانية حدوث ذلك ونحن بدورنا نشكره أن أعفانا مشقة التساؤل والعملية الحسابية. هذه التساؤلات التي يطرحها الكثيرون ليست نوعا من "الحسد" ولا تعبيراً عن الحقد الاجتماعي والتنافر الطبقي، بل هي بالأساس وجهات نظر تطرح بداهة في ظل مقارنات لا إرادية يجريها العقل بين ما يحدث عندنا من ممارسات باتت أشبه بالتسول لتحفيز القطاع الخاص على تعيين المواطنين، ودعم ميزانيات المؤسسات الاجتماعية التي تعاني عجزا معلنا وواضحا مثل "صندوق الزواج"، وبرامج الإسكان التي تطول قوائم الانتظار فيها، وكذلك المدارس التي تعاني والبيوت التي تسقط أسقفها على ساكنيها وغير ذلك من مظاهر دعم المواطنين محدودي الدخل، الذين يمتلكون أحلاما مشروعة في حياة آمنة مستقرة.
بالطبع لا ننفي - ولا أحد يستطيع ذلك - وجود أيادٍ بيضاء كثيرة في دولة الخير والعطاء، ولكن تكهنات الخبراء التي تحدثت عن أن قائمة المليارديرات في الإمارات تتجاوز العشرين بمراحل تغذي الآمال في حدوث تغذية عكسية في مجال المسؤولية الاجتماعية لرأس المال، والحديث في هذا الاتجاه ليس نوعاً من الترف الفكري أو التنظير الفلسفي، بل هو واقع ملموس في الدول الغربية، وإذا كان من حق القطاع الخاص أن يعمل على رفع معدلات أرباحه باعتبار أن ذلك في النهاية مؤشر إيجابي يدعم الاقتصاد الوطني، فإن من حق المجتمع أن ينتظر بالتبعية نوعاً من رد الجميل ممن يعملون في بيئة استثمارية مثالية وخالية من الالتزامات الضريبية التي ترهق ميزانيات الشركات في دول العالم المتقدم والنامي على حد سواء.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية