لا أحد يجادل في أهمية الديمقراطية اليوم، ولا في أن بوصلة التغيير العالمي تشير إلى أن العقد الحالي ربما لا ينتهي دون أن تعم المشاركة الشعبية ممثلة بالانتخابات منطقة الشرق الأوسط كاملة، واسألوا بغداد والرياض والقاهرة وبيروت ودمشق.. والبقية تأتي.
في الإمارات "نحن مقبلون على الانتخابات لا محالة"، هذا ما يرغب كثيرون في قوله، مستدلين على ذلك بأكثر من مؤشر إقليمي ودولي، ولكن قبل أن ندخل رأساً في الحديث عن الانتخابات كقدر محتوم، علينا أن نجد الإجابات المناسبة على أسئلة عديدة نعتقد أنها شرعية ومن حق المواطنين أن يطرحوها، ومنها: هل الانتخابات في حقيقتها هي مطلب شعبي مُلح للمواطنين؟ خاصة وأن هناك إطاراً من الرضا الاجتماعي السائد يتميز به مجتمع الإمارات. وهل سيتعامل المواطنون مع الانتخابات القادمة بالقدر الذي يفترض أن تناله من الجدية؟ وهل سيكون هناك عزوف شعبي عن المشاركة في الانتخابات، إلا إذا استثنينا أولئك الذين تستطيع حشدهم رغبة سياسية وتنظيمية معينة، أم أن المشاركة ستكون واسعة وذات أطياف مختلفة؟ وهل سنرى مثلاً طوابير النساء أمام صناديق الاقتراع، هنا في الإمارات؟ وهل كل دعاة الديمقراطية والانتخابات والمشاركة الشعبية يدعون إليها بدافع وطني بحت وليس لأسباب وأهداف أخرى؟ قد يبدو هذا النوع من الأسئلة غريباً بعض الشيء، أو غير مناسب، أو سابقاً لوقته، أو حتى قد يعتبره البعض نوعاً من المصادرة على المطلوب من البداية. ولكن الإقدام على خيار سياسي بهذا الحجم يقتضي عمل كل ما يلزم من احتياطات وحذر لحشد شروط بناء عملية ديمقراطية حقيقية، بما في ذلك وضع ضمانات كافية لكي لا يتحول أي انفتاح ديمقراطي في الدولة إلى فرصة لتدخلات أجنبية، وفي الذاكرة العديد من النماذج والتجارب الماثلة في هذا السياق، كتدخلات إيران، ومحاولاتها المستمرة اختراق الأقليات الشيعية في الدول العربية، ووضعية "حزب الله" في لبنان على سبيل المثال لا الحصر، تصلح شاهداً على ذلك. كما أن ثمة بعض الجماعات والتنظيمات الإسلامية السياسية متعددة الجنسيات، والقائمة على أسس يتجاوز فيها الولاء حدود الوطن إلى الولاء المطلق للتنظيم أو الجماعة، وتمتلك من الخبرة في التنظيم، وحشد الأصوات ما يمكنها من الوصول بمرشحيها إلى صدارة القوائم الفائزة في أية انتخابات لا توضع فيها شروط حذرة سياسياً. وبمجرد الفوز ينكشف المستور من أولويات واستراتيجيات مثل هذه الجماعات البعيدة كل البعد عن مصلحة الدولة والمواطنين والمرتبطة بأولويات الجماعة ومصالحها، والشواهد على ذلك كثيرة أيضاً، وقد اتضحت في تجارب عديدة منها بعض ما حصل في الكويت والجزائر والأردن وبلدان أخرى، حين تمكن الإسلاميون من سحق كل اللوائح الحزبية الأخرى بالاحتكام إلى صناديق الاقتراع، وأحياناً بطريقة غير ديمقراطية للأسف، عبر تسييس منابر المساجد واحتكار الحديث باسم الدين.
في معظم الانتخابات التي جرت في المنطقة أثبت الإسلاميون قدرتهم على تنظيم وحشد المؤيدين، ومن ثم الفوز بالانتخابات بلدية كانت أم نيابية. وهذا من حقهم كمواطنين، لا مراء في ذلك. ولكن، هل استغلال التنظيمات الإسلامية للخيار الشعبي للوصول إلى موقع القرار وتعطيل هيبة الحكومة هو في مصلحة الدولة والمواطنين؟ وهل سيتكرر هذا السيناريو - الذي شاهدناه في أكثر من مكان- عندنا في الإمارات؟.
الانتخابات قادمة... قادمة، ما في ذلك شك، لكن يجب أن نستغلها لما فيه مصلحة الوطن، وأن نعمل بنفس الدرجة من الحرص على ألا تتحول إلى ارتهان لجماعات سياسية أجنبية، لأن ذلك لو حصل لا قدر الله، سيفرغها من معناها وسيجعل ضررها أكثر من نفعها بكثير.
وأكرر مرة أخرى، إنني لست مع منطق استباق الأمور أو التخوين والأحكام المسبقة، إلا أن هذه أسئلة أرى أن علينا أن ندخل، على الأقل، مرحلة التفكير فيها، والباقي ستحمله الأيام.