أكثر من نصف أعضاء مجلس الأمة الكويتي المنضوين تحت تجمع "الحركة الدستورية"، وهي حركة سلفية، تخرجوا من جامعة الكويت.. وأغلب هؤلاء، إن لم نقل جميعهم، تتلمذوا وتعلموا على أيدي أساتذة ودكاترة من النساء الكويتيات اللواتي يعملن في أقسام مختلفة في جامعة الكويت، ومع ذلك فإن هؤلاء الأعضاء يرفضون منح أساتذتهم حقوقهن السياسية لأنهم يعتبرونهن "قاصرات"!
في الكويت يدور جدل سياسي واجتماعي وإعلامي منذ فترة حول الحقوق السياسية للمرأة الكويتية، وحقها في الانتخاب والترشيح، كما هو الحال في جميع الدول ذات البرلمانات المنتخبة. والحقيقة أن المرء ليعجب من هذا الجدل العقيم الذي يدور هناك، والذي تتسبب فيه الحركات الإسلامية مثل "الحركة الدستورية". فباسم الدين والإسلام، تعطي فئة من القوم لنفسها الحق في الحصول على كل الحقوق الإنسانية، وتحرم نصف عدد أفراد المجتمع تقريبا من نفس الحقوق التي تمنحها لنفسها!
القضية ليست قضية دينية أو إسلامية، ولا دخل للإسلام في هذا الحرمان وهذا الجدل البيزنطي.. فالإسلام لم يأت ليحرم أية فئة اجتماعية حقا من حقوقها المدنية، بل هو أعطى حقوقاً كانت مسلوبة للجنسين، الذكور والإناث معا في المجتمعات الجاهلية.
مشكلة حقوق المرأة السياسية، سواء في الكويت أو في بقية المجتمعات الخليجية، هي مشكلة تتعلق بـ"النظرة الذكورية"، التي ينظر بها الرجل (الذكر) للمرأة (الأنثى). هذه النظرة القائمة على التعالي الذكوري، في مقابل الدونية الأنثوية التي اعتاد الرجل في بعض المجتمعات الخليجية خاصة، وبعض المجتمعات الإسلامية عامة، أن يضعها كقاعدة أساسية للتعامل مع الجنس الآخر.. وهذه النظرة من جانب الرجل للمرأة، يحيط بها الكثير من الفوقية والاعتقاد بتميز الرجل عن المرأة أو تميز العنصر الذكوري عن العنصر الأنثوي في التعامل وفي الحقوق والواجبات. هي تحديدا تلخص حالة النظرة "الذكورية" التي ينظر بها الرجل في مجتمعاتنا لمجمل تعاملاته مع المرأة.. وهذه النظرة القاصرة والتي يغلفها التخلف الشديد، تدفع بالبعض إلى الاستعانة بأمور تافهة لحرمان نصف المجتمع من حقوقه لصالح النصف الآخر.. من هذه الأمور الاحتكام إلى مسألة العادات والتقاليد التي يعطي الرجل بموجب أحكامها لنفسه الحق في العبث بحقوق المرأة..
ولكن الخطورة تكمن في قيام الرجل بإدراج الدين في مسألة النظر إلى هذه الحقوق، كأن يعطي لنفسه ما يشاء من الحقوق باسم الدين، ويحرم المرأة مما يشاء من الحقوق باسم الدين أيضا!. وهذا ما يحدث في جميع النقاشات القائمة حاليا في مختلف المجتمعات الإسلامية والخليجية حول حقوق المرأة السياسية.. فرفض الرجل لمثل هذه الحقوق، كما هو حاصل من بعض الأعضاء الإسلاميين، أو الحركة السلفية في الكويت، هو رفض على أساس ديني في ظاهره، وعلى أساس "النظرة الذكورية" الشوفينية في باطنه.
الذين يطلقون على أنفسهم أعضاء الحركة الإسلامية في مجلس الأمة الكويتي، ما زالوا يعتبرون المرأة الكويتية "قاصراً" ولا يحق لها المطالبة بحقوقها السياسية. مع العلم بأن أغلبهم تلقى بشكل أو بآخر علومه في جامعة الكويت على أيدي أساتذة و"دكاترة" من النساء، ولم يقل أحد منهم إنها قاصر حين نهل من علمها وفكرها وخبراتها ودرايتها.. وهذا تناقض كبير.. فهم لم يعتبروها قاصراً حين تتلمذوا على يديها، في حين اعتبروا مطالبتها بحقوقها السياسية نوعاً من النشوز والقصور!.. القضية كلها تكمن في "العقدة الذكورية" ولا صلة لها بالدين الإسلامي!.