قدرة العين على رؤية الضوء، هي بلاشك إحدى معجزات الخالق سبحانه وتعالى. فسقوط الضوء على خلايا الشبكية في مؤخرة العين، يتسبب في الاستثارة الكيميائية لتلك الخلايا، لتنتج بدورها تياراً كهربائياً، ينتقل عبر العصب البصري إلى المخ، حيث يقوم مركز الرؤية في المخ بتفسير رسائل "الشيفرة" الكهربائية، ليكوِّن ما يعرف بالرؤية. هذه السلسلة من العمليات الفيزيائية الكيميائية الكهربائية العصبية الإدراكية التفسيرية، تحدث كما يقال (في لمح البصر). ومنذ بداية التاريخ عجز الإنسان عن فهم طبيعة الضوء، ولذا راح في الكثير من الخرافات والأساطير يقرنه بالعبادات والطقوس الدينية. ومع بداية القرن الحادي عشر الميلادي، تمكن العالم العربي المسلم أبو علي الحسن بن الهيثم البصْري (نسبة إلى البصرة)، وباستخدام مبادئ الهندسة والتشريح البشري، من زيادة فهمنا لكيفية الرؤية، وتعميق الفهم العلمي لطبيعة الضوء. وربما كانت أهم إنجازات ابن الهيثم في هذا المجال، هي تصحيحه للاعتقاد الخاطئ والسائد حينها، بأن الضوء يصدر من العين وليس من الأجسام المحيطة بنا.
ويلعب الضوء أيضا أدوارا متعددة ومتنوعة، في تنظيم حياة والحفاظ على صحة وسلامة الكائنات الحية. فبخلاف الدور الرئيسي المتمثل في القدرة على رؤية البيئة المحيطة بنا، يلعب الضوء في حياتنا أدواراً أخرى أكثر خفاء وأقل ظهورا. وأحد أشهر تلك الأدوار، هو دور الضوء في تنظيم ما يعرف بالساعة الداخلية "Body Clock". وهذه الساعة الجسدية الداخلية تتكون عقاربها من موجات عصبية في المخ ذات نمط معين، وتظهر دقاتها على شكل إنتاج لهرمونات خاصة، وينتج عنها تنظيم لتجديد أنسجة وخلايا الجسم وغيرها من العمليات البيولوجية المهمة. هذه الساعة التي تدور دورة كل أربع وعشرين ساعة، تؤثر فيها عدة عوامل، ربما كان أهمها دورة النهار والليل، وما يترافق معهما من فيضان للضوء مع شروق الشمس وانعدامه مع غروبها. وتلعب هذه الدورة اليومية دورا مهما في نمط النوم والراحة والعمليات الحيوية داخل الجسم البشري. ويكفي أن نسترجع ما يحدث للمسافرين بالطائرات عبر مناطق زمنية متباعدة، حيث يصابون بما يعرف بـ"Jet Lag" وهي الحالة التي يمكن ترجمتها إلى التباطؤ أو التخلف الزمني للمسافرين. ولا يقتصر دور الضوء في تنظيم العلميات الحيوية على الدورة اليومية فقط، بل يمتد أيضا ليشمل فصول السنة. هذه الحقيقة تظهر جلية من خلال المرض المعروف بالاضطراب العاطفي الفصلي "Seasonal affective disorder"، وهو حالة من الاضطراب المزاجي، يتمتع المصابون بها بحالة نفسية ومزاجية طبيعية طوال أشهر السنة، ولكن بحلول فصل الشتاء يعاني المصابون من أعراض الاكتئاب والتي تختفي بحلول فصل الربيع. والغريب أن هذه الحالة نادرة جدا - ربما لا توجد بالمرة- في المناطق الاستوائية، وفي الوقت نفسه تنتشر بشكل مطرد كلما تحركنا باتجاه شمال أو جنوب الكرة الأرضية. وهذه الحقائق تجعل من البديهي تفسير وجود علاقة بين فترات طول النهار وكمية ما يتوفر من ضوء، وبين الحالة المزاجية للكائن البشري. ففصل الشتاء معروف عنه أن نهاره أقصر من ليله، وهو ما يعني أننا نتعرض لفترات أقصر من الضوء خلال الشتاء. ومن المعروف أيضا أنه إذا ما اتجهنا بعيداً عن خط الاستواء خلال فصل الشتاء، يقصر النهار ويقل الضوء بينما يطول الليل ويكثر الظلام. ولذا يؤمن الكثيرون بأن الأشخاص المصابين بالاضطراب المزاجي الفصلي، يعانون في الحقيقة من (نقص في الضوء). وهو ما دفع البعض لعلاجهم من خلال تعريضهم لضوء اصطناعي ساطع جدا لفترات محددة من اليوم، من خلال ما يعرف بصناديق الضوء "Light Boxes" وهي عبارة عن أجهزة مزودة بمصابيح شديدة الإضاءة تنتج كميات هائلة من الضوء. ويوجد الكثير من طرق العلاج المختلفة لهذه الحالة، من حيث شدة الإضاءة أو نوع الضوء أو فترة العلاج، جميعها ثبتت فائدتها في تخفيف معاناة هؤلاء الأشخاص.
هذا الأسلوب العلاجي المعتمد على الضوء، ليس بالجديد على الطب والأطباء. فمنذ سنوات والأطباء يستخدمون الضوء لعلاج الصفراء، التي تصيب بعض الأطفال في الأيام الأولى بعد ولادتهم. فعلى الرغم من أن الصفراء تصيب الكثير من الأطفال حديثي الولادة بشكل طبيعي، إلا أنها أحيانا ما تصل إلى مستويات أو تستمر لفترات قد تؤثر سلبا على الجهاز العصبي لهؤلاء الأطفال. حينها يتدخل الأطباء من خلال تعريض الطفل لنوع من العلاج الضوئي "Phototherapy" والذي يساعد الجسم على تكسير والتخلص من المادة المسببة للصفراء "Bilirubin" . ومثل هذه الاستجابة أو التفاعل من أنسجة الجسم، حث الكثيرين على استكشاف طرق أخرى، يمكن أن يستخدم فيها الضوء لعلاج الأمراض والعلل. ولعل من أشهر تلك الطرق استخدام الليزر الطبي، حيث لا يزيد الليزر في الحقيقة على أنه شعاع يتمتع بمواصفات فيزيائية خاصة، وينتمي إلى نفس الطيف الكهرومغناطيسي الذي ينتمي إليه الضوء العادي. ومن ضمن استخدامات الليزر العديدة في المجال الطبي، تتمتع الاستخدامات الجلدية بمكانة