قرار حماس الأخير بالمشاركة في الانتخابات التشريعية القادمة في شهر يوليو متوقع، لكنه يشكل انعطافة تاريخية في عمر الحركة وتفكيرها وممارستها السياسية. فلأول مرة ستشارك حماس في انتخابات سياسية على مستوى الشعب الفلسطيني. ورغم حرص حماس على المشاركة في أية انتخابات سواء أكانت طلابية أم مهنية أم في وقت قريب بلدية، فهي لم تشارك في أية انتخابات سياسية ذات علاقة بالنظام الرسمي الفلسطيني. قرار حماس تاريخي ومهم من جوانب مختلفة تتعدى التأثير في شكل وطبيعة حماس نفسها وأدائها السياسي. ويمكن التأمل في تلك الجوانب واحداً واحداً، بدءا بما خص حماس نفسها أولاً.
عبر إقرار المشاركة في الانتخابات تخطو حماس خطوة كبيرة وضرورية وطال انتظارها باتجاه تسيس أكثر وبراغماتية ملحة تفرض عليها، بعد سنوات طويلة من إثباتها لنفسها، أن تنخرط في المشهد السياسي الفلسطيني على مستوى قيادي يضطرها للمشاركة في تحمل المسؤولية مباشرة. في السنوات السابقة اشتغلت حماس من موقع المعارضة، معارضة سياسة منظمة التحرير أولاً، ثم معارضة مؤتمر "مدريد" وما تبعه من "أوسلو" ثم قيام السلطة وغير ذلك. موقع المعارضة أتاح لحماس أن تبني شرعية وشعبية بعيداً عن دفع أي ضريبة سياسية مرتفعة يضطر إليها من هو في موقع المسؤولية لأن عليه مواجهة واقع ضاغط. في المعارضة يمكن لأي كان أن يعيش ترف رفع سقف المطالبة، والحقوق، وسوى ذلك، متفادياً الانصياع لاشتراطات الواقع. في موقع المسؤولية يتغير الوضع ويفرض الواقع العنيد مفرداته على السياسة.
صحيح أن حماس ستشارك في الانتخابات التشريعية ولم تعلن أنها ستشارك في أية حكومة فلسطينية، وبالتالي فبإمكانها نظرياً أن تحافظ على موقعها في المعارضة وتستمر في سياسة تفادي الموقع الأول، حيث اللوم والمسؤولية وسوى ذلك. غير أن الصحيح أيضا أن الوجود داخل المؤسسة التشريعية سيفرض عليها مشاركة ولو غير مباشرة في المسؤولية، وهي مسؤولية تتناسب وحجم حماس المتوقع أن تحصل عليه في تلك الانتخابات. فمثلاً وفي حال شاركت حماس بقوة في تلك الانتخابات مستهدفة الحصول على نسبة كبيرة من المقاعد فسيكون من المطلوب منها إما أن تتخذ موقفا واضحا من أية حكومة مشكلة: المشاركة فيها أو تأييدها أو حجب الثقة عنها. وإذا كان باستطاعة حماس أن تحجب الثقة عن أية حكومة فإن هذا معناه امتلاكها قدرة على التأثير أو التحكم في المسار السياسي للحكومة المعنية. لكن لن تستطيع حماس أن تفرض شروطها كاملة على أية حكومة، ولن تستطيع مداومة استخدام حقها في حجب الثقة عن الحكومات (بالتحالف مع أعضاء آخرين في المجلس التشريعي) لأن ذلك سيقود إلى شل العملية السياسية وتجميدها. وهنا ستضطر حماس إلى منح الثقة بشروط وسيطة، مسايرة منطق السياسة والحلول الوسط. وهكذا تكون حماس مسؤولة ومشاركة، كما يجب أن تكون، في صناعة القرار الوطني الفلسطيني.
والخطأ الكبير الذي يمكن أن تقع فيه حماس والسلطة هو استمرار منطق الاستقطاب الحاد، الذي سيرى في مشاركة حماس القادمة في الانتخابات تحديا للسلطة ومنافسة لها أو طرح بديل عنها. فإذا سادت نظرة الاصطراع على نظرة المشاركة في المسؤولية فإن تراكم النضج السياسي في التجربة الفلسطينية الذي شهدناه بعد وفاة ياسر عرفات سوف يتوقف ويتبعثر إن لم يتراجع. وللإشارة إلى منطق الاصطراع والتوتر يمكن الاستدلال بتصريحات بعض مسؤولي السلطة بعد الإعلان عن قرار حماس بالترحيب بالقرار مع التأكيد على ضرورة أن توقف حماس سياستها في المقاومة أو غير ذلك، ومحاولة خلق اشتراطات أو مناخ يطلب من حماس هذا الشرط أو ذاك. فهنا، وعوضاً عن الانجرار إلى هذا المسار "الاشتراطي" يجب أن يكون الخطاب الرسمي الفلسطيني مرحباً بقدوم حماس إلى المجلس على قاعدة المسؤولية. وإن وجود حماس بفاعلية داخل دائرة صنع القرار الفلسطيني، وفي مقدمتها المجلس التشريعي، يعني أنها ستكون مطالبة بأن تقرر هي نفسها فائدة أو ضرر أية سياسة تتخذها على مجمل المسار الفلسطيني، وستكون في موقع المسؤولية، وليس موقع من يحاول الإفلات بضربة هنا أو ضربة هناك. ولن يعود أمام حماس خيار أنها تقوم بعمل ما لا تتحمل مسؤوليته السياسية وعلى المستوى الوطني العام، وتحيل تلك المسؤولية ودفع الاستحقاقات للسلطة نفسها.
لكن هناك جانب آخر ومهم مترتب على مشاركة حماس في الانتخابات المذكورة (في حال سارت الأمور كما يخطط لها الطرف الفلسطيني وأقيمت الانتخابات فعلاً)، وهو أثر تلك المشاركة على المشهد والموقف الفلسطيني السياسي. وثمة أكثر من نقطة على هذا الصعيد، أولها أن وجود حماس داخل المجلس التشريعي سوف يعطي الموقف الفلسطيني قوة ومتانة إضافية هو في أمس الحاجة إليها. سوف يشعر الشعب الفلسطيني بأمان إضافي بأن الحقوق الفلسطينية لن يتم التساهل معها، وستتم تقوية الموقف الفلسطيني العام بحيث إن أية اتفاقيات مقبلة عليها أن تحظى بموافقة المجلس بما يرفع من سقفها السياسي للصالح الفلسطيني. إضافة إلى ذلك فإن الموقف الفلسطيني، في حال