"استقبال" صاخب في باريس.. و"ربيع" مؤجل في الشرق الأوسط!


مهلاً، قبل الحديث عن بزوغ فجر جديد من الديمقراطية في الشرق الأوسط، بفضل.. أو بفعل جهود الرئيس بوش... هذا ما حذرت منه صحيفة "لوموند" هذا الأسبوع، وكان ضمن موضوعات أخرى عنواناً بارزاً في الصحافة الفرنسية.


باريس 2012


 الاستقبال الخاص الذي خصصه الفرنسيون يوم الخميس الماضي للجنة الدولية المكلفة بتقييم مؤهلات باريس لاستضافة ألعاب سنة 2012، كان هو المدخل الذي انطلق منه "كلود أمبرت" في مقاله الأسبوعي في مجلة "لوبوان"، مشيراً إلى أن نقابات العمال الفرنسيين، والعمال، وحتى تلاميذ المدارس الثانوية، وكل من هبّ ودبّ في فرنسا، لم يجدوا طريقة يستقبلون بها تلك اللجنة الدولية سوى الإضرابات التي شلت حركة المواصلات، وأغلقت مداخل المدينة ومخارجها، وجعلتها تبدو محاصرة ومتخبطة في الاختناقات المرورية، وهو ما سيعني انطباعاً سيئاً جداً عن باريس لأولئك الأجانب الذين كلفوا بتقديم تقرير عن مؤهلاتها التنظيمية. لكن من المسؤول عن كل ذلك الضرر الذي لحق بسمعة فرنسا؟ مع أن الكاتب لا يضع إصبعه على أحد بعينه باعتباره مسؤولاً عما حصل، فإن الإجابة مع ذلك يمكن استنتاجها دون كبير عناء. المسؤول هو من اتبع سياسات "ليبرالية" غير موفقة، وعلى الطريقة الفرنسية، لسوء الحظ. من جعل نسبة البطالة تتخطى سقف 10%، في حين أن هذه النسبة لا تتجاوز 2.6 % في بريطانيا الواقعة في شراك رجل اشتراكي تقريباً في توجهاته هو توني بلير. المسؤول هو من جعل الدَّيْن العام الفرنسي يصل إلى 65.5% من الناتج المحلي الإجمالي، وأوصل العجز في ميزان المدفوعات إلى 3.7%. من أوصلوا فرنسا إلى هذه الحالة هم من دفع مئات الآلاف للتظاهر سعياً لزيادة الأجور ولتقليص أسبوع العمل. إنهم السياسيون الفرنسيون إذن و"الليبرالية" كما يفهمونها، والتي لسوء الحظ تقف وراء ازدهار اقتصادات أوروبية مجاورة لفرنسا. وسواء تعلق الأمر برجال اليمين القابعين في الحكم، أم بالمعارضة من اشتراكيين وشيوعيين وخضر وغيرهم، فإن ثمة مشكلة حقيقية ترزح تحت وطأتها البلاد، و"عليهم أن يبحثوا عن مكمن الخطأ".


 الربيع العربي


تحت هذا العنوان نشرت صحيفة "لوموند" افتتاحية خصصتها لما يحب الكُتـَّاب الأميركيون اعتباره ثورة ديمقراطية وسلسلة من التحولات الجذرية المقبلة في أفق منطقة الشرق، دون أن ينسوا نسبة الفضل في ذلك إلى الرئيس بوش، وقراره دمقرطة المنطقة طوعاً أو كرهاً. وتذهب "لوموند" إلى أن ثمة أكثر من مؤشر إيجابي في منطقة الشرق الأوسط، ابتداء من الانتخابات الرئاسية الفلسطينية، والانتخابات العراقية على رغم جو العنف، وإعلان الرئيس مبارك عن تعديل الدستور بما يسمح بتعدد المرشحين لرئاسة الجمهورية، وانتهاء بالمظاهرات الصاخبة في لبنان التي دفعت الحكومة السورية إلى اتخاذ الخطوة الأولى على طريق الانسحاب من لبنان، ثم الانتخابات البلدية في السعودية، وغيرها من المؤشرات الدالة على أن الشعوب في المنطقة لا تنقصها الرغبة في التحول إلى الديمقراطية والإصلاح، باعتبار ذلك شرطاً لأي نجاح اقتصادي أو حراك اجتماعي في المنطقة العربية. إلا أن الصحيفة مع ذلك تنصح بضرورة الحذر حيال التحولات الحاصلة وعدم الاندفاع في التفاؤل أكثر من اللازم. وتنهي "لوموند" افتتاحيتها بالتساؤل عن مصداقية الحديث عن انتصار حققه مشروع بوش والمحافظون الجدد في الشرق الأوسط، وترى أن مثل هذا الحديث فضلاً عن كونه سابقاً لأوانه يفترض أولا إيجاد حل يرضي جميع الأطراف للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وأيضاً يقتضي وجود تعاون وشراكة حقيقية بين أميركا وأوروبا للعمل معاً لتحقيق نفس الغايات في الشرق الأوسط.


"جوكر دمشق"


 الكاتبة "ميراي دوتاي" ذهبت في مقال في مجلة "لوبوان" إلى أن المظاهرة المليونية التي سيّرها "حزب الله" في لبنان رداً على مظاهرة المعارضة الرافضة للوجود السوري، عكست ميزان القوى في بلاد الأرز. فـ"حزب الله" أثبت أنه لا توجد قوة في لبنان تستطيع مضاهاة نفوذه وشعبيته. ولذا تحرك الحزب ليقول لكل من يعنيهم الأمر إنه لم يتخلّ بعد عن حلفائه السوريين والإيرانيين، وإن كان قائده السيد حسن نصرالله، يعرف – تقول دوتاي- مدى شعبية الشعارات التي تنادي بها المعارضة حتى في أوساط أنصاره هو من الشيعة. ولكن بقاءه على العهد مع السوريين، يعود إلى تخوفه من تطبيق القرار 1559 الذي تنص إحدى فقراته على حل كل الميليشيات، بما في ذلك حزبه. ولأن المقاومة ضد إسرائيل هي التي توفر للحزب شعبيته، فمن غير المتوقع أن يجنح نصرالله إلى تحويل حزبه إلى حركة سياسية عادية ولا أن يتخلى عن سلاحه، ولذا دعا إلى مواجهة بوش وشيراك وإسقاط مخططاتهما في لبنان. وفي مقابل التركيز على الدور السوري في الأزمة اللبنانية في