دار الزمن وانقلبت الأوضاع في إحدى بقاع الإسلام التي ظلت لعقود ترزح تحت نير الاستعمار السوفييتي تارة والتطرف الإسلامي تارة أخرى. تحررت أفغانستان من القهر والذل وتحولت إلى الحكم الديمقراطي رغم أنف إرهاب "القاعدة" ورعب "طالبان". دارت عجلة التاريخ لتنتقل الدولة التي عانت لأكثر من ثلاثة عقود من الظلم والقهر ومصادرة الحريات وافتقاد شرعية الحكم وضياع الحقوق، واستبيح فيها دم المرأة بواسطة تنظيمات متطرفة نصبت نفسها القاضي والجلاد تحت زعم تطبيق الشريعة الإسلامية وإقامة حكم إسلامي، لتبدأ مرحلة جديدة تصبح فيها أفغانستان مثالاً للديمقراطية، بعد أن اكتشف الجميع أن جماعة "القاعدة" ليس لها هدف سوى السلطة والسطوة وليذهب المسلمون إلى الجحيم. سقطت ورقة التوت التي كانت تنظيمات الإرهاب تستر بها عورتها، بعد أن فرضت سلطانها بالرعب والقسوة والتطرف على شعب أفغانستان واختطفت دولته، وتعاون الملا عمر مع ابن لادن لقهر الشعب الأفغاني، بعد أن وفر لتنظيم "القاعدة" الملاذ الآمن وسمح لها بإقامة معسكرات تدريب على الإرهاب وشاركها تجارة المخدرات، وفي المقابل قدم أسامة بن لادن لحركة "طالبان" التدريب العسكري والتخطيط العملياتي والمقاتلين والسلاح لقتال التحالف الشمالي. لقد اتفق الشيطانان على استعمار أفغانستان، واستباحا حرمات شعبه، وصمّا آذانهما عن صوت العقل ودعاوى الإسلام الصحيح.
اختلط الحابل بالنابل، كما يقولون، وانقلبت الأوضاع، وحاولت تنظيمات العنف والإرهاب أن تكون صاحبة الكلمة العليا في صياغة المستقبل السياسي للدول العربية والإسلامية، وسقطت الجماهير بين مطرقة الإرهاب وسندان فتاوى شيوخ الذبح، لكن الشعب الأفغاني رفض أن يكون الضحية، فاختار طريق الديمقراطية ليقضي على أسطورة الإرهاب والتطرف.
لذلك يظل السؤال الملح هو: ماذا كان سيحدث لو ظلت حركة "طالبان" تدعمها "القاعدة" جاثمة على صدر الشعب الأفغاني؟ وماذا كان سيحدث لو ظل أسامة بن لادن مسيطراً على الحكم في أفغانستان؟ بل ماذا سيحدث لو نجحت التنظيمات الإسلامية المتطرفة في الوصول إلى سدة الحكم في الكويت أو السعودية أو مصر أو الجزائر أو سلطنة عمان أو أي من الدول الإسلامية والعربية الأخرى؟
الأسئلة كثيرة، ولكن الإجابة عنها تكمن في فهم الخصائص الحقيقية لهذه التنظيمات الإرهابية وتوجهاتها المتطرفة ودعواها الزائفة بالحكم بما أنزل الله، بعد أن فرضت نفسها على حياة شعوبها، وانتزعت منها الطمأنينة والأمان والحياة المستقرة، ونشرت الفوضى والبلطجة والابتزاز بعد أن أعماها تطرفها وسعيها للاستيلاء على السلطة.
جاءت الطامة الكبرى منذ عقود عندما ظهرت حركة الإخوان المسلمين في مصر لتصبح أفكارها المتطرفة وميلها نحو العنف، الوعاء الذي أفرز كل التيارات الإسلامية المتطرفة الأخرى، والبوتقة التي انصهرت فيها أفكار الجهاد والتطرف والتكفير والحكم المسبق على المجتمع وعدم قبول الرأي الآخر.
حركة الإخوان المسلمين في مصر هي الأب الشرعي لكل ما أفرزته سنوات الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي وأوائل القرن الحالي من حركات إرهابية ومتطرفة انتشرت في العديد من الدول العربية والإسلامية تحت مسميات مختلفة، ربما هرباً من أصولها وإخفاءً لنواياها الحقيقية، أو حتى لا ينسب المجد لجماعة الإخوان، أو ربما بدافع التنصل من الانتماء لجماعة تضاربت رؤاها على فترات مختلفة وحاولت في النهاية التصالح مع النظام المصري وأعلنت مهادنته بعد أن أعيتها الحيل في الوصول إلى الحكم. وعلى سبيل المثال لا الحصر نجد جمعية الإصلاح الاجتماعي في الكويت، والقاعدة في السعودية، وحزب التجمع اليمني للإصلاح في اليمن، والجماعة الإسلامية في لبنان، وجبهة العمل الإسلامي في الأردن، والإخوان المسلمين في سوريا، وكل هذه الجماعات تجمعها خصائص واحدة وسمات مشتركة تخفيها وراء رداء الدعوة إلى إقامة الحكم الإسلامي. ومن أهم هذه الخصائص والسمات:
- التطرف الذي يحكم رؤية هذه الجماعات للإسلام، وهو أمر لا يستقيم مع وسطية الإسلام وسماحته، بل يجعلها أبعد ما تكون عن حقيقة الدعوة الإسلامية الصحيحة.
- الاستبداد الذي تتسم به السلطة والقيادة داخل هذه الجماعات، فأمير الجماعة له كل السلطات، وهو مُنزّه عن الخطأ ويجب أن يطاع من دون أي نقاش، وفتاواه نافذة رغم جهله الواضح للعيان بأبسط الأسس التي تقوم عليها الفتوى.
- العنف وقتل الأبرياء كطريق لإخضاع الشعوب بالقهر لمطالب هذه الجماعات التي تدعي الحكم بما أنزل الله، على الرغم من أنه لا يمكن لأي فرد أو جماعة أو مؤسسة الادعاء بأي حق إلهي في الحكم، كما أن أبسط قواعد الإسلام هي الحفاظ على النفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق، فمن الذي منح هذه الجماعة حق القتل العشوائي للمسلمين وترويع الآمنين؟!
-مصادرة الحقوق وفرض قيود على المجتمع ما أنزل الله بها من سلطان، في حين أن الإسلام يرى أن الناس سواسية من حيث الحقوق والواجبات، فالإنسان من وجهة نظر الإسلام يتمتع بحقوق أساس