"كانوا في لبنان لابسين السياسة السورية" قالها الوزير في حكومة كرامي المستقيلة، ألبير منصور في مقابلة تلفزيونية، فسأله المذيع عن معنى "لابسين"، فشرح الوزير أن معناها متقمصين أو متوافقين مع السياسة السورية، أما اليوم فقد قلبوا لسوريا ظهر المجن بين ليلة وضحاها.
لم أكن أدري أن "لابسين" باللهجة اللبنانية، وربما بلهجة أهل الشام عموما، تعني متوافقين سياسياً. ففي الخليج، وخصوصا في الكويت "لابسين" تعني متجاهلين و"مطنشين" وليس العكس، فيقال: أعطه بولبّاس، أو "إلبسه" أي تجاهله. ويقال فلان لابس فلان، أي أنه متجاهله تماما. ومن المفارقات أن اللباس مرتبط بالحركة، مع أنه جماد يفترض أنه لا حراك فيه، بل ومرتبط بالجريمة، فيقال ألقي القبض على المتهم متلبسا.
واللباس يرتبط بالمرتبة الاجتماعية، فكم كرر الأب أو الأخ الأكبر أو الأم عبارة "مو ملبوسنا" في مسلسلاتنا الدرامية التمثيلية، أي أنه ليس على مقاسنا، والمقصود استعارة طبعا، أي أنه ليس من مستوانا الاجتماعي، ذلك الشاب الوسيم الفقير المتعلم الرومانسي الذي تقدم لخطبة بطلة المسلسل بنت العز والدلال و"الملابس" التي تعكس طبقتها الاجتماعية.
واللبس دوما مشكلة في "عاداتنا وتقاليدنا"، فهو خاضع لرأي الآخرين دون منازع، ويتحكم بلباسنا الذي نرتديه فوق أجسادنا رأي الآخرين فينا، فيقال:"كلْ ما يعجبك، والبس ما يعجب الناس". ولم نفكر يوما بتعميم فعل الأمر في هذه النصيحة، كأن نقول "كل ما يعجبك والبس ما يعجبك أيضا" من الملابس التي تشعرك بالراحة والارتياح.
واللبس قد يكون عموميا، وقد يكون أكثر دقة وتحديدا، فتلبس الشيء – مثلما استعمل المصطلح الوزير منصور- يعني تقمصه، وواضح بأن كلمة التقمص جاءت من القميص والذي هو أحد مكونات اللباس، ولقد كان القميص فيصلا في براءة سيدنا يوسف من اتهام زوجة عزيز مصر ليوسف بالتحرش الجنسي بها كما ورد في القرآن الكريم، فشهد شاهد من أهلها بأن قُدَّ - أي شق القميص- من الخلف يعني أنها هي التي تحرشت به ومزقت قميصه وهو مدبر معرض عنها، فثبت بعد التحقق والتحقيق أن يوسف بريء من اتهاماتها. وبمناسبة البراءة، لا يزال التحقيق غامضا، أو قل متعثرا، بل غير معروف عمن وقف وراء اغتيال الحريري. فلا متهم متلبس، ولا لباس لمنفذ العملية، بل إننا لا نعرف "ملابسات" التحقيق حتى هذه اللحظة، أو حقيقة هذا الذي ظهر بإحدى الفضائيات مدعيا أنه منفذ العملية الإجرامية!
واللباس قد لا يعني الظاهر فقط، فقد يعني المخفي، حيث أن كلمة اللباس، أو "اللبيس" في لهجة أهل العراق وبعض مناطق سوريا الشمالية تعني الملابس الداخلية، وقد دار في ذهني تساؤل: هل هناك لبس سياسي داخلي، تماما مثلما هناك ملابس داخلية تغطي العورة وتحميها؟
لا أريد أن أشطح بالخيال كثيرا، ولكن "الملبّس" يعني "البونبون" أو "الحلاوة" بلهجة أهل الخليج، وواضح أن للكلمة علاقة بالملابس، وقد احترت أن أجد الرابط بين الحلاوة والسياسة والملابس الداخلية؟ هل يمكن أن يكون للباس علاقة بالملبّس؟ وماذا يمكن أن نسمي العلاقة بين العري وبين عدم التلبس السياسي، أي التوافق السياسي؟ بمعنى أنه إذا كان هناك علاقة بين اللباس والسياسة، فهل يمكن- منطقيا - أن يكون هناك علاقة بين التعري والسياسة؟
وعودة لمقولة الوزير منصور، هل نزع اللباس السوري في لبنان من كان يرتديه سنوات وسنوات؟ وإذا كانوا قد نزعوا لباسهم السوري، فلم لا نشاهد أيا منهم "بالزلط" أي عارياً بعد، مما يعني أنهم قد لبسوا لباسا آخر يغطي عورتهم وسوأتهم، أو هكذا يجب أن نعتقد.