إن المظاهرة الحاشدة، التي نظمتها ميليشيا حزب الله في شوارع بيروت يوم الثلاثاء الماضي، أبرزت المدى الذي يمكن أن تذهب إليه سوريا وإيران ووكلاؤهما المحليون، في استغلال الشعارات والمشاعر القديمة المناوئة لإسرائيل وأميركا والمؤيدة للإسلاموية، والطائفية، في حشد القوى الشعبية ضد التغيير. علاوة على ذلك، تذكرنا تلك المظاهرة بأن حائط برلين وإن كان يتهاوى حاليا في العالم العربي، إلا أنه ليس هناك "فاكلاف هافل" ولا "ليش فاليسا" ولا "حركة تضامن"، ينتظروننا على الجانب الآخر متلهفين للارتماء في أحضان الغرب. وإذا ما فكرنا في الرسالة التي أراد حزب الله إبلاغها للرئيس بوش من خلال ذلك التجمع الحاشد، فسنجد أنها كما يلي:"اسمع يا بوش! لن يكون لدى أي أحد القدرة على إعادة صياغة لبنان دون إذننا، ودون أن تؤخذ مصالحنا في الاعتبار".
ما هي الاستجابة السليمة لذلك؟ سأبدأ إجابتي بالقول إن الفورة الديمقراطية التي شاهدناها في شوارع بغداد وبيروت والقاهرة وحتى الرياض هي فورة حقيقية وأصيلة. وهذه الفورة تأتي أولاً استجابة لأحداث معينة مثل حادث اغتيال رفيق الحريري، ومن جانب آخر تأتي استجابة لأشواق عميقة في هذه البقعة من العالم لمستقبل مختلف، وخصوصا في أوساط الشباب الذين يريدون نصيبهم من كعكة الحرية.
في تناوله للمظاهرات العفوية المؤيدة للديمقراطية التي اندلعت في الآونة الأخيرة في شوارع بيروت، والتي حاول حزب الله موازنتها بالتجمع الحاشد الذي نظمه تأييدا لسوريا، كتب المحلل السياسي اللبناني "نواف سلام" يقول:"إن الشعب اللبناني غدا يشعر للمرة الأولى بأنه قد أصبح أكثر قوة، وأن صوته قد غدا مسموعا، وأنه قد أصبح أيضا أكثر قدرة على إحداث تغيير، وأن هناك مشاعر حقيقية بالأخوة والوحدة تجمع الآن بين أفراده".
وحقيقة أن حزب الله قد اضطر لتنظيم اجتماع حاشد مماثل لذلك الذي نظمته حركة المعارضة اللبنانية، تمثل في حد ذاتها انتصارا للديمقراطيين. فمن الواضح أن الحزب قد شعر بأنه مضطر لأن يثبت للآخرين، أنه لا يقل في شعبيته عن المعارضة الديمقراطية. ولكن هناك شيئاً ما في قرارة نفسي يقول لي إن متظاهري حزب الله، الذين كانوا يلوحون بصور الرئيس السوري بشار الأسد لم يكونوا مرتاحين. وسبب ذلك أن أنصار الحزب عندما يقومون برفع صورة بشار الأسد، فإنهم يعرفون، أنهم سيدفعون الآخرين بذلك إلى التساؤل عن المصالح الحقيقية التي يمثلها حزبهم؟.
ولكي تتمكن الديمقراطية من الظهور مجددا وبشكل مستقر إلى حد معقول في لبنان، فإن القوى الديمقراطية في هذا البلد، يجب أن تواصل دعوة حزب الله إلى الانضمام إليها. فحزب الله، هو في نهاية المطاف حزب يمثل اتجاها مهما وقويا بين اللبنانيين الشيعة، ومعظمهم من الوطنيين المتلهفين لرؤية لبنان مستقلا وحرا، بشرط أن تعرف تلك القوى في نفس الوقت، أنها بحاجة إلى أن تسأل حزب الله بشكل مستمر، بل وتدفع الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي كي يسألوا حزب الله بشكل مستمر أيضا، وبصوت عال:"لماذا تقومون بالتلويح بصور الرئيس السوري؟ وأين تقفون بالضبط"؟.
أما الرئيس بوش فيجب أن يظل واقفا في الخلفية، مركزا اهتمامه على نزع فتيل الصراع العربي- الإسرائيلي، لأن ذلك تحديدا هو الذي سيحرم حزب الله من كافة الذرائع التي تجعله يصر على الاحتفاظ بأسلحته. إن تأثير ذلك على حزب الله سيكون أكثر قوة، إذا ما كانت المعارضة الديمقراطية، والسعوديون، والأوروبيون هم الذين سيسألون حزب الله المرة بعد الأخرى: "هل لديكم رؤية حقيقية للبنان حديث وتقدمي وتعددي... وإذا ما كان الأمر كذلك، فلماذا تلوحون بصور الرئيس السوري؟".
إذا ما قام حزب الله بإنزال صورة "الأسد"، وتوصل إلى إجابة على هذا السؤال فإنه سيكون قد حقق الكثير. أما إذا لم يفعل فإن ذلك سيمثل مشكلة كبيرة. وهذا تحديدا هو ما دفع جوزيف سماحة لأن يكتب في عدد الأربعاء من صحيفة السفير اللبنانية قائلا:"إن يوم أمس( يوم مظاهرة حزب الله) كان يوما من تلك الأيام التي تؤسس فيها الأوطان.. أو تدمر".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"