تتصاعد جهود وضغوط الإدارة الأميركية لإدراج "حزب الله"، على قائمة المنظمات والجماعات الإرهابية، دولياً، بعدما أدرجته على هذه القائمة أميركياً. وعلى رغم التقدم الذي طرأ مؤخراً في اتجاه رأب الصدع في العلاقات الأطلسية، جراء الغزو الأميركي الأحادي للعراق عام 2003، إلا أن الدعوة لإدراج حزب الله ضمن التنظيمات التي تصفها واشنطن بالإرهاب، لا تزال مثار جدل وخلاف كبيرين بين واشنطن وعواصم الدول الأوروبية، بدءاً بمفهوم الإرهاب نفسه، والمعايير التي تصنف على أساسها منظمة ما، بأنها إرهابية. وتنغيماً على وتر السياسة الأميركية الرسمية، صدر على صعيد الكتابة والعمل الإعلامي المصاحب، هذا الكتاب "البرق الخاطف من لبنان: إرهابيو حزب الله في الأراضي الأميركية" من تأليف باربرا نيومان وتوم دياز. والملاحظ أن صدور الكتاب، جاء متزامناً تماماً مع تصاعد موجة الضغط الأميركي في الاتجاه الذي ذكرناه آنفا. لذا فقد جاء مضمونه تحريضياً في المقام الأول، أكثر منه بحثاً موضوعياً في تاريخ التنظيم وتكوينه وأهدافه ونظمه الداخلية التي تحكمه وأساليب عمله.
يقول المؤلفان إن "حزب الله" هو تنظيم إرهابي في الأساس، وإنه سبق له أن حصد من أرواح الأميركيين في لبنان، ما لم تحصده هجمات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001. وليس ذلك فحسب، بل يضع المؤلفان حزب الله، في مكانة من الخطورة، تفوق كثيراً تلك المنسوبة إلى تنظيم القاعدة. ومن هنا يبدي المؤلفان دهشتهما من عدم معرفة الكثيرين بهذا التنظيم، وما يمثله من تهديد حقيقي للأمن الأميركي. ويصف كل من توم دياز وباربرا نيومان، حزب الله بأنه تنظيم أنشأه الحرس الثوري الإيراني في عام 1982، ويقولان إن الهدف الرئيسي وراء إنشائه، هو مناصبة كل من الولايات المتحدة وإسرائيل الكراهية والعداء. ثم يمضي المؤلفان إلى جرد العمليات التي نفذها الحزب ضد القوات الأميركية في لبنان، بدءاً من الهجوم بالشاحنات المفخخة على ثكنات قوات المارينز في العاصمة بيروت، وهو الهجوم الذي أدى إلى مصرع 241 جندياً أميركياً، قال المؤلفان إنه لا يزال يمثل الخسارة الأكبر وسط القوات الأميركية في أزمنة السلم. بل كان من تداعياته ونتائجه المباشرة، اضطرار إدارة ريجان إلى سحب جميع القوات الأميركية الموجودة في لبنان حينئذ. وأضاف المؤلفان إلى سجل التنظيم، اغتيال مواطنين أميركيين في مبنى السفارة الأميركية في بيروت - بمن فيهم مسؤول وكالة المخابرات المركزية الأميركية في لبنان- إلى جانب تحميلهما حزب الله، جزءاً من مسؤولية الهجوم الذي وقع على أبراج مدينة الخبر في السعودية، التي كان يسكن فيها الجنود الأميركيون.
بعد ذلك السرد، يؤكد المؤلفان أن ذلك الماضي، لم يكن سوى مقدمة لا أكثر، للجرائم والفظائع التي ينوي التنظيم ارتكابها بحق المواطنين الأميركيين والمصالح الأميركية، على نطاق الشرق الأوسط وداخل الحدود الأميركية نفسها. وبخصوص ما يمثله "حزب الله" من خطر أمني داخلي على الولايات المتحدة، استشهد الكتاب بحادثة القبض على محمد يوسف حمود في مدينة شارلوت بولاية كارولينا الشمالية قبل عام واحد فحسب من هجمات الحادي عشر من سبتمبر، أثناء إدارته لشبكة تابعة للتنظيم، كانت تخطط لتسديد ضربات وتنفيذ عمليات معادية لأميركا، منذ ذلك الوقت. ولا يكتفي الكتاب بمجرد الرصد والسرد، وإنما يقدم اقتراحات عملية مباشرة لأفضل السبل التي يجب أن تتبناها أجهزة مكافحة الإرهاب الأميركية، في التصدي لخطر التنظيم.
وبين هذا وذاك، يمضي الكتاب إلى استعراض ملخصات تاريخية موجزة عن التقسيمات الدينية والاجتماعية والسياسية في منطقة الشرق الأوسط عموماً، وعن الأسباب التي يرى أنها تجعل من الشرق الأوسط، بؤرة تقليدية وتربة مشجعة لنشأة ونمو الجماعات الإرهابية المتطرفة. ويشكل هذا الاستعراض الأخير، ما يشبه الخلفية النظرية لجذور التطرف والإرهاب، الضاربة حسب الاعتقاد، في العوامل الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والتاريخية المحيطة بالمجتمعات الشرق أوسطية. إلى ذلك يصل الكتاب إلى أهم استنتاجاته وخلاصته النهائية، المتمثلة في التأكيد على أهمية تجويد العمل الاستخباراتي المتعلق بمكافحة الإرهاب، ومن بينه دراسة التنظيمات الناشطة فيه، وكشف مخططاتها وأهدافها وعناصرها، وتنشيط العمل في مجال مكافحتها وتصفيتها.
وكما سبق القول، فإن الموضوع الرئيسي الذي تثيره مثل هذه الكتابات، هو تعريف المفاهيم الأساسية التي تتناولها، وفي مقدمتها بالطبع تعريف الإرهاب نفسه، ومن ثم تحديد الأساس الذي يتم بموجبه تصنيف منظمة ما، على أنها منظمة إرهابية. هذا هو الجدل الذي يثيره الأوروبيون في وجه إدارة بوش، فيما يتصل بسعي الإدارة، إلى إدراج "حزب الله" في قائمة المنظمات الإرهابية. ومما يثار من حجج في التمييز بين حركات المقاومة الوطنية، والمنظمات الإرهابية، التصنيف السابق لحركة مقاومة الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، على أنها حركة إرهابية. واليوم فقد برز قائدها نيلسون مانديلا، بين أعظم القا