اجتاحت التظاهرات مؤخراً شوارع القاهرة وبيروت وهي تحمل شعار "كفاية" كتعبير جديد عن الرأي العام العربي. وهذه الكلمة كما يقول الدكتور سعد الدين إبراهيم قد أصبحت وبسرعة بمثابة "الشيفرة" الخاصة بملايين المواطنين العرب الذين يرغبون في التغيير والإصلاح. وبالطبع فإن هذا الشعار ظل يطغى على معظم اللافتات التي ارتفعت أثناء تلك التظاهرات، ولكن الأهم من ذلك أن صدى هذه الشعارات أخذ يتردد داخل أجهزة التلفزة وينتشر في جميع الأنباء والأعمدة الصحفية، بل إن ملايين العرب قد تداولوا هذه الشعارات في منازلهم في كامل المنطقة التي تمتد من الدار البيضاء إلى الرياض. ولكن هل يمكن أن تصبح هذه الكلمة رمزاً لثورة عربية شعبية مثل التي أججت مشاعر ملايين المواطنين في أوروبا الشرقية وأدت للإطاحة بتلك الأنظمة الديكتاتورية العتيقة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي؟ ما زال الوقت مبكراً للحكم على ذلك ولكن من المؤكد أن هنالك مؤشرات بأن هذه الحركة باتت تكتسب زخماً متنامياً لكي تفضي إلى ثورة شعبية وبخاصة في لبنان ولكنها تمضي أيضاً بدرجة أقل في القاهرة وفي أماكن أخرى من الوطن العربي.
فمنذ حادث اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري في الرابع عشر من فبراير المنصرم سارع اللبنانيون إلى خطف هذا الشعار من المصريين الذين كانوا أول من ابتدعه. فقد ظل المصريون لفترة عام كامل يطالبون الرئيس حسني مبارك بعدم ترشيح نفسه لفترة رئاسية خامسة لمدة ست سنوات وهو في عمر السابعة والسبعين. أو على الأقل أن يعمد إلى خلق آلية جديدة تؤدي إلى تداول الرئاسة بشكل ديمقراطي سلس. أما اللبنانيون فقد انتظموا في حركة احتجاجية تطالب سوريا بإنهاء احتلالها للأراضي اللبنانية الذي استمر لفترة 29 عاماً. والآن هل تعتبر هذه التظاهرات بمثابة إنذار مبكر لـ"تسونامي" جديد يجتاح الساحة السياسية العربية؟ وإذا كان الأمر كذلك فمن هو الحاكم العربي أو السياسة العربية المرشحة لمواجهة التهديد القادم؟
لقد أصبح شعار "كفاية" يتعلق في جميع أنحاء المنطقة بمفهوم الحكم بما في ذلك بعض سلالات الحكام الطغاة الذين يورثون الحكم إلى أبنائهم وجميع ممارسات الفساد الأخرى من نهب لأموال الدولة وانعدام الشفافية والوضوح في ممارسة الأعمال التجارية، وفي تسيير شؤون الدولة بالإضافة إلى التخلف الفكري الذي درجت على تعزيزه بعض القيادات الدينية في المنطقة. وهذه هي الممارسات التي أصبحت الشعوب العربية ترفع أمامها شعار "كفاية".
إن الأحداث التي جرت مؤخراً في مصر ولبنان باتت أشبه بإحدى الغابات المطيرة التي استفاقت وهي تشهد فجراً جديداً على وقع أصوات عالية تتردد أصداؤها في كامل الساحة العربية الممتدة. لقد أخذ المواطنون العرب يتساءلون بنبرة عالية الوضوح عن الحريات وحقوق الإنسان وحكم القانون واستحقاقاتهم كمواطنين في شكل أجندة جديدة قد تتحول إلى انتفاضة شعبية تتجاوز كل الحدود المألوفة، ولقد بدأت هذه الصحوة تتزامن مع ما يدور في أذهان المواطنين في الشارع العربي وهم يحاولون إعادة اكتشاف أميركا. وبصرف النظر عن تأييدهم أو شجبهم للسياسات الأميركية فإن العديد من المواطنين العرب وجدوا أنفسهم على نحو تدريجي غير قادرين على إخفاء سعادتهم بالضغوط التي تمارسها واشنطن على حكوماتهم من أجل إحلال الديمقراطية والإصلاحات. وفي جميع أنحاء الوطن العربي في هذه الأيام ستجد من يشير إلى أن الأميركيين وبرغم الفوضى التي تمخض عنها غزوهم للعراق، قد تمكنوا من إنجاز بعض الأهداف شديدة الأهمية بما في ذلك تخليص العراقيين من حكم ديكتاتوري غاشم، ومنحهم حق الانتخاب الحر وهامشاً كبيراً من حرية التعبير. وبصرف النظر عما إذا كانت نوايا الرئيس جورج بوش حسنة أم سيئة، فإن النتيجة تمثلت في حدوث تقدم غير مسبوق في إرساء الحقوق الإنسانية والقانونية والدستورية لأكثر من 27 مليون مواطن عراقي. وهو أمر جيد بلا شك بالنسبة لهم ولجميع المواطنين العرب الآخرين.
ومن المؤكد أن العديد من المواطنين السوريين طفقوا يتساءلون أيضاً عن إمكانية حدوث مثل هذا التغيير في دمشق. وبلا شك أن معظمهم أصبحت تراوده المخاوف بعيد اغتيال الزعيم اللبناني رفيق الحريري من أن يشهد هجوماً للقوات الأميركية ضد سوريا يطيح بالنظام الحاكم هناك قبل أن يمتد بآثاره إلى لبنان. وبرغم أن هذه الخطوة ستؤجج الأوضاع بين العرب والإسرائيليين، إلا أنه من المؤكد أنها ستؤدي إلى تحسين الظروف المعيشية لملايين السوريين واللبنانيين. ويبدو أن الحكومات العربية قد فهمت الرسالة. وبصرف النظر عما إذا كان الأمر يتعلق بوجود ضغوط شعبية أو مجرد الغضب من دمشق فإن هذه الحكومات قد نأت بأنفسها عن تقديم الدعم "الأخوي" لسوريا وهي تواجه الضغوط الأميركية والفرنسية والعالمية للانسحاب من لبنان.
بيد أن تسونامي "كفاية" قد اتضحت آثاره مبكراً في مصر وإلى الحد الذي أجبر الرئيس مبارك على الإعلان عن عزمه دخول الانتخابات الرئاسية لفترة خامسة في منافسة مع بعض المعارضين بد