فلسطين، والعراق، ولبنان، ومصر، وإن اختلفت الظروف باختلاف أحداث المكان، فإنها اتفقت جميعاً على الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان مطلباً أساسياً بما يثبت أن شعوبنا لم يكن ينقصها سوى الفرصة المناسبة. إن تلاحق الأحداث على ساحة المنطقة يؤكد أن المنطقة كانت حبلى أصلاً بميلاد المستقبل، وأن لمبادئ الحريات في زمن الاتصالات الهائل قدرتها على تدريب العقول والأرواح، لتغزو عقولنا وما أروعه من غزو ثقافي عظيم.
ولولا الأقدار التي قيضت لنا الشيخ بن لادن حفظه الله، حتى يكمل مشواره، لما تحركت لمواطن بلادنا شعرة، ولا اهتز لها جفن. لولا هذا المقابل الفطري لظل الحلف الأميركي مع الفاشية العربية قائماً يظلل مصالح السياسة الخارجية الأميركية في المنطقة. لولا الدمار الذي مزق قلب الإنسانية في نيويورك وواشنطن وعصرها ألماً، ما اكتشفت أميركا ما زرعت يداها، سواء في تحالفاتها مع الحكومات القمعية أو في دعمها لما يسمى بالصحوة الإسلامية أو برعاية مخابراتها للعرب الأفغان بالتدريب خاصة على صنع المتفجرات، وهو ما انتهت نتيجته إلى قول العرب الفطري: علمته الرماية فلما اشتد ساعده... رماني! فالعربي لا ينسى جذوره! وقيمه! وأصوله!
إن ما فعلته "القاعدة" رغم بشاعته، فإنه كان الضارة النافعة، ورغم كل حملة الكراهية في الإعلام العربي والإسلامي ضد أميركا، فإن الشعوب العربية قررت أن تستثمر وجودها القوي في المنطقة في التقاء مصالح تاريخي في صدفة عبقرية من نوع تلك الصدف الخالقة المبدعة في سير التطور الكوني المتكررة، لتستثمر هذا الوجود القوي لأقوى دولة في العالم في المنطقة لتفرض الأوضاع الراكدة الآسنة منذ الزمن الخليفي، مطالبة بحق إنساني يتمتع به إنسان الغرب الحر، من أجل أن يعيش المواطن كريماً في وطن عزيز، بهبّات شعبية اختلفت طرائقها بين تلك الدول العربية، لكن لم يختلف وعيها على ضرورة استثمار وضع لن يتكرر ولا بعد ألف وأربعمائة عام أخرى. هبات أثبتت أن الإنسان في أي مكان هو الإنسان، الباحث عن الحرية والكرامة والعزة، وأن التخلف ليس في بلادنا أو في ثقافاتنا قدراً مكتوباً.
من انتخابات أبي مازن إلى انتخابات العراق بفدائية نادرة أقدم عليها أهل العراق ليقولوا نعم للأمن والسلام والحرية، إلى لبنان وما أدراك ما لبنان المحمل بإرثه التاريخي وتجربته الديمقراطية التي وإن سكنت تحت القمع فإنها ظلت قائمة بكوادرها ورجالها، وما أروعك يا لبنان وما أجملك وطناً لأهله الأجمل، إلى مصر وحركة "كفاية" باتفاق حكيم وقيادة حكيمة تمكنت من التأليف بين مختلف أطياف المجتمع السياسي المصري، وحققت إنجازها بمبادرة الرئيس حسني مبارك... وعمار يا مصر عمار! لقد بدأت صحوة الشعوب الحقيقية العارفة بمصالحها في منطقتنا ولن يوقفها شيء من بعد، وليحفظ الله لنا الشيخ بن لادن ليستمر رغم عصر القلوب بما يفعل رجاله في أولادنا وبلادنا وبلاد الآخرين، تظل الظروف قائمة لتلحق كل بلد في شرقنا المسكين بقاطرة المستقبل، وعلينا أن ندفع ضريبة بن لادن دماً عزيزاً وأجساداً طاهرة تمزقها القنابل أشلاء، لأنها ضريبة الحرية، لكنها ضريبة من لون خاص جداً، كما نحن في بلادنا من نوع خاص جداً.
وإذا كانت السماء قد ختمت خطابها للأرض بآية "اليوم أكملت لكم دينكم..." فهو ما يعني أن الدين قد اكتمل وليس بحاجة إلى سلطان ولا إلى فقيه ولا إلى شيخ أزهري ولا إلى آية من آيات الله ليكمله أو يتممه بما يضيف. لقد سلمنا ربنا الراية بعد أن اكتمل عصر الأنبياء وتم وخُتم. لكن إسلامنا لم يقل لنا إن عصر العقل والحرية قد تم أو اكتمل، لذلك نحن بحاجة للحديث عن الحريات والحقوق بمنطق الإنسان اليوم، وهو دور ليس لمشايخ الدين فيه دور. لقد قُتل الدين بحثاً رغم أنه اكتمل قبل أن يلحق النبي بالرفيق الأعلى، وأي تدخل فيه لربطه بمفاهيم اليوم السياسية هو عبث في شأن جليل مكتمل. إنهم يريدون أن يكونوا علينا أنبياء بعد تمام زمن النبوات، وهو ما نرفضه فلا حاجة لنا بهم اليوم، لأن حديث اليوم حديث غريب عليهم وليسوا هم أهله، وليس لهم أن يفتوا بشأنه لأنه حديث أرض وكفاح ونضال من أجل الحرية والحقوق الإنسانية، نطلبها لنا ولهم ولا نطلب منهم سوى أخذ استراحة قد تطول إلى الأبد. ولا ننسى أن نكرر الشكر لهذا الرجل النادر الشيخ بن لادن... فشكراً أيها المقاتل!.
أما لكوني مصرياً، فإني أزجي شكراً من لون آخر لفعل آخر يقفز نحو المستقبل، شكراً دكتور هاني عنان رائد حركة الجماهير المصرية "كفاية"، أقول لك أيضاً مع الفارق في الشخص والعمل والهدف... شكراً أيها المقاتل.