مرة أخرى يعاد طرح موضوع الحق السياسي للمرأة الكويتية، وتنقسم الساحة الكويتية بين مؤيد ومعارض. وتتزامن إعادة مشروع الحكومة الكويتية لموضوع المرأة مع تصاعد حدة التوتر في لبنان وسوريا، وانفراج في العراق وتصاعد مطالب الإصلاح السياسي في البلاد العربية الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية. إلا أن في هذه المرة الأمر يختلف، حيث في المرة الأولى اتحدت القوى الإسلامية السياسية على رفض مشروع الحكومة بحجة مخالفة مشروعها للشريعة الإسلامية. أما في هذه المرة فانقسمت الحركات الإسلامية بين مؤيد ومعارض، مما أربك هذه القوى وأضعف من حجتها الشرعية.
رئيس الحكومة الكويتية الشيخ صباح الأحمد تحدث أكثر من مرة حول ضرورة إقرار الحق السياسي للمرأة، واعتبر عدم مشاركتها بمثابة ثقب بالديمقراطية الكويتية.
الانقسام بين الحركات الإسلامية السياسية أسقط أحد أهم محاور منطق الاعتراض للحقوق السياسية للمرأة، حيث أصبحت لدينا حجج شرعية مؤيدة، ويقابلها حجج شرعية رافضة للمشروع الحكومي. علماء الأزهر وحركة الإخوان المسلمين بمصر حثوا أصدقاءهم بالكويت لقبول مبدأ المشاركة السياسية للمرأة، واعتبروا أن الاعتراض عليه أمر لا يستند إلى حجج شرعية. وأمام هذا التجاذب الإسلامي انكشفت الحقيقة وأخذ البعض يتحدث عن الموروث الثقافي والاجتماعي الذي يعتبر مشاركة المرأة بمثابة اختراق للعادات والتقاليد، وهنا اكتشفنا كيف يتم تطويع النص الديني لخدمة المشروع السياسي للحركات الإسلامية.
إن المجتمع الذي يقف ضد المرأة يقف عكس تجاه التاريخ ومنطق الحداثة. فإذا كنا قبلنا في فترة تاريخية عزل المرأة عن الحياة السياسية فلا يعقل أن نستمر في إغفال دورها في ظل تنامي قيم الديمقراطية التي بدأت تعصف بالعالم.
إن كل ما يشاع ويقال من تبرير حول موضوع منع المرأة من المشاركة مرجعه الثقافة الذكورية في ثقافتنا العربية، هذه الثقافة التي مجدت الذكور وحطت من النساء في المجتمع.
نحن نقدر آراء هؤلاء الذين يعارضون مشاركة المرأة السياسية إلا أنهم لا يملكون أن يملوا رغباتهم وتوجهاتهم على المجتمع. فالمجتمع يسير بوتيرة نحو مفاهيم التقدم والتطور وإننا لا يمكننا عزل أنفسنا عن حركة العالم. إنه خطأ فادح من بعض رجال الدين والحركات السياسية الإسلامية أن تترك الساحة تتجاذبها قوى تزج بالإسلام وتحمل الإسلام أسباب عدم مشاركة المرأة. إنها قضية أخلاقية تمس مصداقية العمل السياسي للجماعات الإسلامية التي تتحمل المسؤولية التاريخية في تبرئة الإسلام من الشوائب ورغبة البعض في الزج به في دهاليز العادات والتقاليد. وخصوصا أن الإخوة في "الدستورية" قالوها بشكل واضح، إن الموضوع اجتماعي وليس دينياً، فعليهم مسؤولية كبيرة في تبيان الحقيقة وأن يعلنوا موقفهم بشكل واضح وشجاع.
قبل أيام صرح الأمير سعود الفيصل بأن المرأة السعودية ستدخل مجالات عمل جديدة وأن مشاركتها قادمة لا محالة، فهذا يعني أن المملكة العربية السعودية تسعى جاهدة لتغيير الواقع الاجتماعي للمرأة، وأن القيادة السياسية السعودية وصلت إلى قناعة بأن المرأة يجب أن تشارك في مختلف جوانب الحياة. فإذا كان الأمر في السعودية يسير في هذا الاتجاه فلماذا هذا التراجع الذي نشاهده في الكويت.
الحكومة لن تقدم على تقديم المشروع والتصويت عليه دون أن يحظى مشروعها بالتأييد. حيال هذه الأزمة ليس أمام الحكومة إلا حل مجلس الأمة أو الطعن بقانون الانتخابات أمام المحكمة الدستورية، ولم يعد بإمكان الحكومة مواجهة العالم بديمقراطية عرجاء.