يبدو أن فتح ملف التعليم بكل عيوبه وإخفاقاته أشبه بفتح "صندوق الباندورا" حسب الأساطير اليونانية القديمة. فالواقع التعليمي المهترئ كشفته الزيارات الميدانية لمعالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان وزير التربية والتعليم. وهو واقع يعكس حجم المشكلة وصعوبة ما تعانيه الكثير من مدارسنا من "علل". والمؤكد أن هذه الزيارات تكرس قيمة الرقابة والمتابعة، ويفترض أنها تضرب المثل والقدوة لبقية المسؤولين لمتابعة الأوضاع في المدارس من خلال الزيارات الميدانية، لا من خلال التقارير الوردية الحالمة التي لا تكف عن ترديد المقولة سيئة الذكر "كله تمام"، فلا كله تمام ولا هناك تمام من أصله، وهناك الكثير من المدارس التي تعاني الإهمال وغياب المتابعة. بل إن هناك مدارس تراقب بصمت "الحملان" تلاميذها يشربون من خزانات المياه الملوثة وتقف عاجزة أو بالأحرى لا مبالية!.
ليس عدلا أن نطالب معالي الوزير بتفقد "جميع" المدارس بالدولة، والمطلوب أن يتحرك "جيش" المسؤولين كل في قطاعه، فليس من المنطق في شيء أن نلقي الأعباء جميعها على كاهل الوزير، لا سيما في وزارة تعج بالهموم التي تتنوع وتتفاوت بين المالية والإدارية، ناهيك عن الملف الأهم والأخطر وهو تطوير المناهج بما يتماشى مع روح العصر ومتطلبات التنمية المستقبلية واحتياجات سوق العمل المحلي. المشكلة أن معظم القيادات في أي موقع "تبدع" في البحث عن أفكار للتحايل على أية زيارات مفاجئة وتصوغ "خطط طوارئ" للتعامل مع الموقف بما يضمن خروجها من الموقف سالمة غانمة ومن دون خسائر تذكر، بدلا من أن تجهد نفسها في البحث عن جوانب القصور ومعالجتها، لا سيما أن هذه الجوانب تبدو "مكشوفة" لدى قيادات الهرم الإداري في مستوييه الأوسط والأدنى، في حين يتم اللجوء أو الاحتماء بقاعدة "أنا لا أكذب ولكني أتجمل" عند التعامل مع القيادات العليا في الوزارات والمؤسسات، بحيث يصبح الكذب هو الحقيقة الوحيدة التي يتم ترويجها وتسويقها!
الخبراء يقولون، إن "الفساد" المتحول في عصرنا الحالي لم يعد ممثلا في تلقي الرشى أو استغلال الوظيفة بشكل دارج بل أصبح فسادا منظما يستفيد من العلم وأدواته ويعمل تحت عين القانون وبصره، ويرون أن الفساد قد طلق مظاهره البدائية إلى غير رجعة، وأصبح منهجيا بل ومستدام النمو وقادرا على حماية ذاته وتحصينها ضد محاولات البحث والاستقصاء وكشف الحقائق، ولذا فإن التستر على جوانب القصور والإهمال هو مظهر من مظاهر الفساد، والحل لا يكمن في انتظار "زيارة مؤجلة" من قمة الهرم الإداري في هذه الوزارة أو تلك المؤسسة، بل في يقظة الضمائر وصحوة العقول والقلوب من أجل مستقبل وطن يعطي الجميع من دون حدود، وهذه حقيقة ملموسة وليست "درسا" في التربية الوطنية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية