الشخص الوحيد الذي خدم كمستشار للأمن القومي وكوزير للخارجية في ذات الوقت هو "هنري كسينجر". وكان الرئيس "جيرالد فورد"، هو الرئيس الذي ورث هذا الوضع غير المسبوق عن سلفه "ريتشارد نيكسون"، وقرر عقب توليه أن يكون "كسينجر" وزيراً للخارجية فقط.
وعلى رغم أن "كسينجر" قد استقال من منصبه كمستشار لمجلس الأمن القومي، إلا أنه كان يتردد من حين لآخر على مقر المجلس، كي يعرف ما يدور فيه. وكان يمازح من يلتقيه بالقول إنه لا يزال بحاجة إلى الإشراف على أفراد جماعته السابقين.
ووجد الموظفون الصغار في المجلس في ذلك الوقت، ومنهم "ستيفن هادلي" وكاتب هذه السطور (كنت قد التحقت بمجلس الأمن القومي في أكتوبر 1975) أن تلك الزيارات تدل على بصيرة ثاقبة من قبل "كسينجر"، كما أنها كانت مثيرة للاهتمام إلى حد ما. فهذه الزيارات كانت تدل على أن مهندس السياسة الخارجية الأميركية في ذلك الوقت "هنري كسينجر"، كان حريصا على عدم ترك قاعدة قوته الحقيقية في مجلس الأمن القومي. فعلى الرغم من أن وزير الخارجية هو الذي يقدم النصح للرئيس الأميركي بشأن العلاقات مع الدول الأخرى، فإن مستشار الأمن القومي هو الذي يقوم بالتنسيق بين وزارة الخارجية، والخزانة، والدفاع، والاستخبارات المركزية الأميركية، وهي الوزارات والإدارات الضالعة في عملية الأمن القومي.
ولم يكن لدى "كسينجر" ما يخشاه من خلفه القوي في المنصب، والداعم له في نفس الوقت "برينت سكوكروفت". ولكن فريق "سكوكروفت" كان هو المسؤول عن "العملية" برمتها أمام الرئيس، وهو ما كان يمنحه نفوذا كبيرا.
تم تعيين "ستيف هادلي" مؤخرا من قبل الرئيس بوش كي يحل محل "كوندوليزا رايس" في منصب مستشار الأمن القومي. و"هادلي" عندما عمل في جهاز "سكوكروفت" في الماضي، رأى الجهاز وهو يعمل بطريقة مختلفة تماما.
فمهمة مجلس الأمن القومي التي كان يتم إنجازها بدرجات متفاوتة من النجاح منذ أن تأسس المجلس في أعقاب الحرب العالمية الثانية، تتمثل في منح الوكالات الحكومية المنخرطة في الشؤون الدولية، الفرصة لتقديم ما لديها من أفكار جديدة. وهناك بعد ذلك مهام أخرى حيث يفترض أن تقوم هيئة موظفي مجلس الأمن القومي بتلخيص وجهات نظرها وتقديمها - مع التوصيات- إلى الرئيس للبت فيها، واتخاذ القرار بشأنها.
وعندما كان "هادلي" يعمل تحت رئاسة "سكوكروفت"، كان هذا النظام يعمل بشكل جيد. فعندما كان أحد أعضاء الفريق يخرج عن الصف (ويحضرني هنا اسم دونالد رامسفيلد الذي كان رئيسا للأركان في عهد فورد)، فإن مهمة "سكوكروفت" كانت هي أن يعيده مرة أخرى إلى الصف. وإذا لم يكن ذلك كافيا فإن الرئيس شخصيا كان يتدخل في هذه الحالة لتأييد موقف "سكوكروفت"، وضرب أي شخص لا يتصرف كعضو في فريق. وكان يتم بالطبع إخبار الرئيس بما يدور في جميع الحالات. أي أن الرئيس ومستشاره للأمن القومي كانا هما اللذان يديران أجندة الأمن القومي، في حين كان يقتصر دور وزير الخارجية على تدبير أمور السياسة الخارجية للبلاد.
لم تكن تلك هي الطريقة التي كان يعمل بها الجهاز تحت إدارة الرئيس بوش. فتلك العملية في حالة بوش، كانت تبدو وكأنها عبارة عن منظومة من الأصدقاء يمتلك فيها البعض نفوذا أكثر من الباقين.
بداية، يتعين القول إنه كانت هناك أيضا غوريلا في البيت الأبيض يطلق عليها "نائب الرئيس"، ونائب الرئيس نفسه "ديك تشيني" كان في مرحلة من المراحل يشغل منصب رئيس هيئة موظفي البيت الأبيض ووزير الدفاع. ونائب الرئيس هذا معروف بأنه أستاذ في فن تحقيق ما يريده من نتائج في الحكومة، علاوة على أنه يمتلك فريقا خاصا بالسياسة الخارجية يعمل تحت إمرته. وهو إلى جانب ذلك يتدخل بالرأي في مختلف الشؤون بطريقة عدوانية.
هناك أيضا وزير الدفاع مرة أخرى "دونالد رامسفيلد"، الذي ينفر من السيطرة المركزية بطبعه، ويحب أن يسير في طريقه الخاص، مما يجعله متحديا تقليديا لمنظومة مجلس الأمن القومي.
سوف يجد "هادلي" صعوبة في تحقيق إجماع داخل المجلس. فـ"ديك تشيني" كان رئيسه فيما سبق، كما أن المرأة التي سبقته مباشرة في شغل الوظيفة "كوندوليزا رايس" هي الآن وزيرة الخارجية. وإذا ما أضفنا "دونالد رامسفيلد" والمدير العام الجديد لأجهزة الاستخبارات الأميركية إلى هذا الخليط، فإننا سنجد أن "هادلي" قد أصبحت لديه مجموعة من الفاعلين الأقوياء، من ذوي الإرادة القوية الذين كان بعضهم يشرف عليه في السابق. وسيكون من الصعوبة بمكان على "هادلي" في تلك الحالة، أن يقوم بتدبير أمر هذه المجموعة سواء فيما يتعلق بتصريف الأمور العادية، أو فيما يتعلق بوضع الأسس اللازمة لمواجهة ما ينتظره في المستقبل.
لقد أصبحنا نعرف الآن أنه كان هناك شقاق كبير خلال السنوات القليلة الماضية بشأن مسائل السياسة الخارجية، ومنها غزو العراق، وأسلحة الدمار الشامل العراقية، وخلال ذلك الشقاق كان الرئيس يحيل المسألة برمتها إلى الأقوياء أو المحظوظين لحلها.
مع ذلك يتعين القول إن الرئيس قد أحسن صنعا باختياره لـ"ستي