تجتاح المنطقة العربية دعوة أميركية لإحلال القيم والنظم الديمقراطية مكان القيم السائدة والأنظمة الحاكمة، وتحاول واشنطن ومعها شركاؤها تمرير مشروعها الرامي إلى الهيمنة على هذه المنطقة واستغلال خيراتها ومواردها الطبيعية من ماء ونفط وسواهما، والاستئثار بمقدرات هذه المنطقة لأطول مدى زمني ممكن ومن دون الصدام المباشر معها، وللحيلولة دون قيامتها واتحادها واستثمار مقدراتها من خلال هذا القيام والاتحاد لأن من شأن ذلك تهديد العالم الآخر الساكن على الضفة الأخرى والذي يفتقر إلى الموارد والمواد الأساسية لعملية التطور والتقدم والهيمنة. ومن هنا حاولت وتحاول تسويق القيم والمفاهيم الديمقراطية ليس حباً بشعوب هذه المنطقة واحتراماً لحريتها وحقوقها، بل على العكس، فها هي حقوق الشعب الفلسطيني تُصادر، وها هي حريته تُقمع، وكل ذلك بغطاء من أصحاب دعوة الحرية والديمقراطية، ولكن من أجل تخريب هذه المنطقة وتفكيكها بغية إعادة تشكيلها من جديد وفق المصالح الأميركية والأوروبية وكأن التاريخ يعيد نفسه ولكن بصيغة أخرى وأسلوب مختلف.
وتصاعدت الضغوط على المنطقة العربية بعد اجتياح العراق لتصل إلى مدى بات الأغلبية، إن لم نقل الجميع، يقدّم التنازلات المتتالية أمام الرغبة الجامحة الآتية من الغرب، لتعميم قيم الحرية والحقوق، وهو كلام حق ولكن يراد به باطل، ولم يعد من حاجة للأميركيين لاستخدام جيوشهم وأساطيلهم، طالما أنهم باتوا يحملون همّ الشعوب الطامحة إلى الحرية. لقد رمت كثير من الأنظمة بنفسها في حضن الغربي، ووضعت كل أوراقها هناك، فإذا بها تفاجأ بأن الغربي لا يعرف سوى مصالحه، ووجدت أن الغربي يريد التخلّص منها لأن مصلحته تقتضي ذلك. بإمكان الأنظمة تصحيح أخطاء الماضي، والانفتاح على الداخل، لا على الخارج، والاستجابة لنداءات الداخل لا لضغوط الخارج، وذلك عبر إطلاق الحريات الحقيقية، وإقفال معتقلات الرأي، وإلغاء قوانين الطوارئ، وفتح حوار حقيقي مع الشعوب وقواها الحيّة، وذلك لبناء جبهة حقيقية في مواجهة أطماع الخارج وأهدافه، فالمصالحة مع الذات، (والذات هنا تعني الشعوب) هي الطريق لحفظ الأوطان، والعربي معروف بطبعه أنه إنسان يقدّم التضحيات.
وائل نجم – بيروت