في خطابه عن حال الاتحاد، كان الرئيس بوش قد خص إيران بالاسم، ونعتها بأنها الدولة الرئيسية الراعية للإرهاب في العالم، وبأنها تسعى لتطوير الأسلحة النووية، في حين تحرم مواطنيها من الحرية التي يتطلعون إليها ويستحقونها. وعلى مر عدة أسابيع، ظللنا نسمع الوعيد والتهديدات المستمرة، باحتمال توجيه ضربة عسكرية إلى إيران. لكن في الأسبوع الماضي، سخر الرئيس بوش من فكرة قصف إيران، ووصفها بأنها مثيرة للضحك، على الرغم من تأكيده على أن كافة الخيارات، لا تزال مفتوحة مع طهران. في غضون ذلك، واصل الاتحاد الأوروبي مفاوضاته البناءة مع إيران، على أمل التوصل معها إلى حل سلمي للأزمة، والحيلولة دون نشر السلاح النووي.
غير أن الحقيقة المحزنة، أن نبرة بوش ولاعقلانية سياساته، دفعتا معاً بالقادة الإيرانيين الأكثر تشدداً وتطرفاً، إلى الدفاع المنطقي عن ثلاث نقاط مهمة وحساسة، تفوقوا فيها على حكومتنا. أولها أن حكومتنا هي التي بادرت بالترويج منذ وقت بعيد، لعجائب وسحر الاستخدام السلمي للطاقة النووية، في معرض استفظاعها لخطوة إطلاق القنبلة النووية على المدنيين اليابانيين خلال الحرب العالمية الثانية. ولهذا فإن طهران إنما تؤكد ما ذهبت إليه الولايات المتحدة ونادت به، فيما يتعلق بتمسكها الراهن، بحق بناء مولدات ومحطات طاقتها النووية. وبموجب الاتفاق الأخير،الذي وقع مع روسيا يوم الأحد الماضي، والذي تلتزم فيه روسيا بتوريد الوقود اللازم لتشغيل محطات الطاقة النووية الإيرانية، شريطة أن تلتزم طهران بإعادة الوقود النافد إلى روسيا، تكون قد زالت التهديدات والمخاوف من أن يعمل مفاعل "بوشهر" المشيد حالياً، على إنتاج أي مادة من المواد المستخدمة في إنتاج الأسلحة النووية.
ثانيها: يلاحظ صمت الولايات المتحدة الأميركية وتجاهلها لخطر نشر الأسلحة النووية، وعدم إثارتها له، إلا حين يتلاءم ذلك مع مواقفها السياسية. وقد رأينا مثالاً صارخاً وفاضحاً على مثل هذا النوع من الاهتمام بخطر نشر السلاح النووي، في الحرب غير المبررة، التي شنتها الإدارة ضد نظام صدام حسين، بدعوى أن ذلك النظام، كان على وشك الحصول على السلاح النووي! ثم جاء المثال الآخر على مثل هذا النوع من المواقف، إثر هجمات الحادي عشر مباشرة. وقتها كانت واشنطن قد ألغت العقوبات الأميركية المفروضة على باكستان، بسبب نشرها للسلاح النووي، في الوقت الذي صبت فيه جام غضبها على بغداد. ومما يثير السخرية هنا، أن كبير العلماء الباكستانيين النوويين، كان قد سعى إلى بيع تكنولوجيا السلاح النووي لإيران، أثناء الحرب الإيرانية العراقية، حين كانت الولايات المتحدة تدعم صدام حسين في عام 1987. ليست إيران وحدها، بل إن محاولات العالم الباكستاني عبد القدير خان، ومساعيه المفضوحة لبيع وتسويق التكنولوجيا النووية لعدد من الدول غير المستقرة، مثل كوريا الشمالية وليبيا وغيرهما، كانت مما تجاهلته الحكومات والإدارات الأميركية المتعاقبة، بدعوى أنه ليس من اللائق أن نثير مشاعر الضيق لدى "حلفائنا" الذين ساعدونا ووقفوا إلى جانبنا في تجنيد "المجاهدين" الذين خاضوا الحرب ضد الاتحاد السوفييتي في أفغانستان! ومن سخرية الأقدار، أن واشنطن نفسها، هي من يلهث وراء كبار هؤلاء "المجاهدين" وفي مقدمتهم "أسامة بن لادن"، منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر وإلى اليوم! بل وحتى بعد أن تم الكشف عن كل الحلقات والمعاملات النووية التي أجراها عبد القدير خان منذ عام 2003، لم يبذل أحد جهداً يذكر في سبيل وقف هذه المغامرة النووية الخطيرة، حتى هذه اللحظة. ومن جانبها سامحت باكستان عالمها النووي على ما فعل، ورفضت تعريضه لأي مساءلات من جهات أجنبية. إلى ذلك تشير بعض التقارير والمعلومات الإستخباراتية، إلى أن السوق النووية السوداء التي دشنها عبد القدير خان، ربما تكون تواصل معاملاتها سراً، إلى اليوم.
ثالثها وأخيراً: كيف للرئيس بوش أن يواصل حملة خطابيته العدوانية النارية ضد طهران، في الوقت الذي أسفر فيه غزوه للجارة العراق، عن تسليم زمام الأمور في ذلك البلد، للقادة الشيعيين الذين تدربوا وتربوا سياسياً على يد طهران؟ ينطبق هذا السؤال، على الدور السياسي البارز الذي يلعبه علي السيستاني، كما ينطبق على عدد من القادة الأكراد الذين حظوا بدعم شيعي كبير طوال العقود والسنوات الماضية.
وإذا ما استبعدنا هذا التاريخ المأزوم جانباً الآن، فسوف يبقى لدينا السؤال الملح: ما الذي يتعين على الإدارة الأميركية فعله، إزاء النظام القمعي الإيراني، وما ينطوي عليه من مهددات ومخاطر محتملة؟ الغريب في الإجابة على هذا السؤال، أن الشيء الوحيد الذي امتنعت إدارة بوش عن القيام به على الصعيد الدولي، هو تطبيق مبادئ الرأسمالية! أعني بذلك، سياسة التعامل الرأسمالي، القائمة على تمديد وتطبيع علاقاتنا التجارية حتى مع الأنظمة والحكومات التي تعبر عن قيم سياسية وفكرية ودينية، تختلف تمام الاختلاف عن قيمنا. ذلك هو ما فعله الرئيس الأسبق "ريتشارد نيكسون"، في خ