سببت استقالة عمر كرامي ومجلس وزرائه في الثامن والعشرين من فبراير الماضي، نتيجة للمظاهرات الحاشدة التي انطلقت في شوارع بيروت احتجاجا على النظام المحكوم من قبل السوريين، الكثير من الابتهاج في واشنطن. في تلك المظاهرات، ردد اللبنانيون هتافات ضد الرئيس السوري بشار الأسد، الذي يوجهون له مسؤولية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري.
ليس هناك ما يدعو للدهشة إذا ما عرفنا أن الرئيس بوش يرى أن ما يحدث في لبنان الآن، يمثل لحظة حاسمة في الشرق الأوسط، وجزءا من موجة جديدة من موجات الإصلاح التي تجتاح المنطقة، والتي شملت مصر بل وحتى المملكة العربية السعودية. وبالنسبة لإدارة بوش، فإن ما يحدث الآن في الشرق الأوسط، يعتبر مبررا لإجمالي سياستها المتعلقة بالمنطقة، بما في ذلك غزوها للعراق. ومع ذلك فإن دواعي الحصافة تدعونا ألا نبتهج أكثر من اللازم، أو نتباهى بأن الأعمال الأميركية كانت هي العنصر المساعد في إحداث هذا التغيير الإيجابي.
الذي يدعوني لقول ذلك، هو أن فصول الأزمة اللبنانية لم تنته حتى الآن. فالرئيس اللبناني المدعوم سورياً أميل لحود، لا يزال يسيطر على الجيش، كما لا تزال له صلاحية اختيار رئيس وزراء جديد. والأهم من ذلك، هو أن الأغلبية الشيعية في لبنان، بما فيها "حزب الله" الراديكالي، قد اختارت الجلوس على الخطوط الجانبية، ولم تنضم حتى الآن إلى المظاهرات المناوئة لسوريا.
ومن غير المعروف حتى الآن، كيف يستجيب الرئيس السوري بشار الأسد للضغوط الخارجية والداخلية، التي تطالبه بالرحيل عن لبنان. فالرئيس السوري ارتكب العديد من الأخطاء في الحساب منذ أن جاء إلى السلطة، بحيث يمكن القول إن كل شيء وراد. والسؤال هنا هو: إذا ما قام الأسد بالرهان على الغرب، وانسحب من لبنان فما الذي سيفعله "حزب الله" وراعيته إيران؟ في هذه الحالة سيكون أمام الحزب خيارات صعبة: هل سيظل الحزب هو طليعة النضال من أجل تحرير فلسطين من الاحتلال الإسرائيلي، أم أنه سيصبح جزءا من التيار السياسي الرئيسي في لبنان؟
إذا ما اختار الحزب أن يحتفظ بدوره الثوري، فإن ذلك قد يؤدي إلى نشوب حرب أهلية، لأنه في اللحظة التي ستنسحب فيها سوريا من لبنان، فإن المطالب الداعية لسيطرة الحكومة على جميع المناطق بما فيها تلك التي يسيطر عليها حزب الله في الجنوب سوف تكون كاسحة. من ناحية أخرى، إذا ما قرر الحزب إجراء تحول سلمي، واستفاد من نفوذه السياسي الهائل، فإن الحال يمكن أن ينتهي به إلى الاضطلاع بدور كبير في الحكومة اللبنانية الجديدة، وهو ما سيمكنه من دفع الأجندة الخاصة به، بطرق قد لا تروق لسكان بيروت وكسروان وهم علمانيون في غالبيتهم.
وهذا إن حدث لن يسعد إيران التي مثلت الداعم الرئيسي والقوي لـ"حزب الله"، والتي كانت تقدم له الأسلحة والأموال والنفوذ السياسي. بيد أنه من غير المرجح في الظروف الحالية، أن يقوم الإيرانيون بتحدي قرار الأمم المتحدة ورغبات القوى الكبرى، ويغذون الاضطرابات في لبنان، بصرف النظر عن موقفهم من "حزب الله". وإذا ما تخلى الإيرانيون عن "حزب الله"، ونفوذهم في المنطقة الجنوبية من لبنان، فإن هذا معناه أنهم سيفقدون دورهم باعتبارهم القوة الأكثر عداءً لإسرائيل في المنطقة. ولكن ذلك سيعني من ناحية أخرى أن إيران قد تخلصت من هذا الملف، مما يجعل من السهل على الولايات المتحدة وأوروبا التوصل معها بعد ذلك إلى تسوية بشأن برنامجها النووي.
باختصار، يمكن القول إنه إذا ما نجحت المظاهرات السلمية في تغيير الحكومة اللبنانية، وأجبرت القوات السورية على الخروج من لبنان، فإن ذلك سيؤدي إلى إنهاء وجود "حزب الله" في لبنان(؟)، وأن تأثيرات ذلك على الصراع العربي الإسرائيلي، وعلى الشرق الأوسط الكبير وقضاياه المختلفة بما فيها تكاثر الأسلحة، ومستقبل الخليج العربي... سوف تكون عميقة.