بشار الأسد: لماذا اشتعل الملعب اللبناني؟


 تلاحقت سلسلة الأحداث والتطورات والمواقف المستجدة خلال الأيام الأخيرة، لتضع سوريا عند حافة جديدة من التحديات والمخاطر لم تعرفها من قبل! فإثر اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري يوم 14 من فبراير المنصرم، تصاعدت حركة الاحتجاجات الغاضبة في بيروت وساحاتها العامة ضد الوجود السوري في لبنان، فيما تزايدت الضغوط العربية على سوريا برسم التصعيد الذي تقوده الولايات المتحدة وأوروبا ضد دمشق، ومطالبتها بسحب الجيش السوري ومخابراته من لبنان دون تأخير!


وبينما أدلى مسؤولون سوريون بتصريحات متناقضة حول مطلب الانسحاب، وازداد غموض الموقف الرسمي لدمشق من التطورات الجارية، ولم تتضح الصورة المفضلة لديها في التعاطي مع الضغوط المتعاظمة لعزلها، أدلى الرئيس السوري بشار الأسد بأول حديث إعلامي له منذ حادثة اغتيال الحريري؛ فحاول في مقابلة معه، نشرتها صحيفة "لا ريبوبليكا" الإيطالية يوم الاثنين الماضي، تأكيد براءة سوريا من دم الحريري، باعتبارها طرفاً غير مستفيد من قتله، وإن قيامها بمثل ذلك العمل يعد "انتحاراً سياسيا"! ولم يضف الرئيس الأسد جديداً حين أعلن أن بلاده لا تعتزم سحب قواتها من لبنان قريباً، لأن ذلك لا يمكن فنياً أن يحدث قبل نهاية العام الحالي، ولن يحدث استراتيجياً حتى تحصل دمشق على ضمانات جادة بشأن السلام!


وفيما أعاد تصريح الأسد إلى أذهان البعض، قصة رفض الرئيس العراقي السابق صدام حسين الاستجابة للمطلب الدولي بسحب قواته من الكويت عام 1990، يتوقع آخرون أن تدرك الرئيس السوري حكمة والده الراحل حافظ الأسد في الانحناء والانتظار لحين تخطي العاصفة، كما فعل في أزمتين شكلتا مفترق طرق لبلاده ولنظام حكمه: أولاهما هي أزمة الخليج الثانية، حينما ناشد صدام "الانسحاب من الكويت"، ثم بادر بالانضمام إلى خندق "التحالف الدولي"، مستنداً إلى قراءة دولية عميقة والى صفقة مع واشنطن. أما الثانية فكانت في أكتوبر عام 1998 عندما حشدت تركيا قواتها على حدود بلاده مطالبة بتسليم الزعيم الكردي عبد الله أوجلان، فما كان منه إلا أن قبل اتفاقاً مؤلماً مع أنقرة، خرج بموجبه أوجلان ليتم اعتقاله في أفريقيا، فكف التحالف التركي- الإسرائيلي عن إحكام كماشته على سوريا.


 وقبل خمس سنين من صعود اللواء الركن حافظ الأسد إلى سدة السلطة في انقلاب عسكري داخل حزب "البعث"، ولد ثاني أبنائه- وهو بشار- عام 1965 في دمشق، فتلقى في مدارسها تعليمه الابتدائي والثانوي، ومن ثم درس الطب في جامعتها وتخرج عام 1988، فسافر إلى بريطانيا لدراسة طب العيون، لكنه قطع دراسته وعاد في عام 1994 إثر وفاة شقيقه الأكبر باسل الأسد (كان مهيأ لخلافة والده)، فالتحق بدورة عسكرية ورفع إلى رتبة نقيب في الجيش السوري، ثم إلى رتبة رائد عام 1995، فرتبة مقدم عام 1997. وعشية وفاة الأسد الأب يوم العاشر من يونيو 2000، بدأت على عجل إجراءات توريث الحكم لنجله؛ فعقد البرلمان السوري جلسة طارئة تم خلالها تغيير المادة رقم 83 من الدستور السوري والمتعلقة بسن الترشح لرئاسة الجمهورية، كما أصدر قراراً بترقية بشار الأسد إلى رتبة فريق، وقراراً آخر بتعيينه قائداً أعلى للجيش والقوات المسلحة، ثم اختاره المؤتمر القطري التاسع لحزب البعث يوم 18/6/2000 "قائدا لمسيرة الحزب والشعب" ومرشحاً للاستفتاء الشعبي على رئاسة الجمهورية، فحصل يوم الـعاشر من يوليو على موافقة عليه بنسبة 97.3% من المقترعين، رئيساً للجمهورية في ولاية مدتها سبع سنوات.


وإذا كان الدكتور بشار الأسد ولج الرئاسة شاباً، ونالها من باب الوراثة العائلية، في حالة هي الأولى لتوريث الجمهوريات العربية، فقد اهتم بتجسيد صورة رجل السياسة المسؤول والحداثي. كما تبين مداخلاته المطولة أمام مؤتمرات القمم العربية، مدى التكوين السياسي والفكري الذي يتمتع به. فقد تقلد السلطة وهو يملك خبرة السنوات التي قضاها إلى جانب والده، حيث التقى باسمه العديد من قادة دول العالم، وحل ممثلا عنه بعواصم أوروبية رئيسية، وتولى إدارة بعض الملفات الداخلية؛ مثل برنامج تطوير المعلوماتية في البلاد وربطها بشبكة الإنترنت، وملف الحملة الداخلية ضد الفساد. وربما الأهم من ذلك، أنه تولى، منذ عام 1997، إدارة الملف اللبناني الذي كان تحت يدي نائب الرئيس عبد الحليم خدام والجنرال غازي كنعان.


لكن لبنان يتحول الآن في السنة الخامسة من عهد الرئيس الأسد، من ورقة لصالح ملفات السياسة السورية وتدعيم جانب دمشق في التوازنات الإقليمية الهشة، إلى ورقة "مفخخة" ومشحونة بالتحديات الخطرة! فالمعادلات الإقليمية والمحلية والدولية التي سوغت الوجود السوري في لبنان منذ السبعينيات، بضوء أخضر من البيت الأبيض الأميركي، وسمحت بدور كبير لدمشق في اتفاق الطائف، ووفرت لها سكوتاً دولياً على عملية إبعاد الجنرال ميشيل عون، تبدلت الآن وبات على سوري