يشهد الرأي العام العالمي والإسلامي والعربي هذه الأيام حملة إعلامية شرسة ضد بلدين مجاورين للعراق والخليج هما إيران وسوريا، من جانب الغرب عموماً والولايات المتحدة الأميركية على نحو خاص.
وهو تكتيك استخدم سابقاً للتمهيد لعمليات عسكرية استباقية وفق المفهوم الاستراتيجي الأميركي الجديد الذي برز بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 وبات المرء يتساءل في كل مكان هل جاء دور سوريا أو إيران أو كليهما معاً بعد العراق؟.
فكما هو معلوم أن الحرب على العراق سبقتها في سنوات التسعينيات عملية تحضير وتهيئة أيديولوجية سياسية وإعلامية منظمة ومحكمة. فدعاة أسلوب القوة والحسم العسكري لإطاحة صدام حسين سنة 1991 أصابهم بعض الخيبة من عدم تحقيق نصر عسكري شامل وكامل بسبب قرار جورج بوش الأب آنذاك بعدم الذهاب إلى بغداد، وكرّسوا جهودهم لسنوات طويلة للضغط والمناورة والإقناع عبر مراكز وتكتلات الضغط والتأثير المعروفة باسم اللوبيات، وكذلك من خلال مراكز للتفكير والتحليل وتقديم الخطط والمشاريع والمشورة، باعتبارها مراكز بحث ومراكز ضغط. لقد حقق هؤلاء بعض النجاح في فترة ولاية الرئيس كلينتون خاصة في تحقيق موافقة الإدارة على تبني قانون تحرير العراق وتصويت الكونغرس عليه سنة 1998 الذي حدد هدفاً نظرياً آنذاك وهو إطاحة النظام العراقي وتقديم الدعم المالي والسياسي لجماعات المعارضة العراقية في المنفى. واليوم يعاد نفس السيناريو بحذافيره في ما يتعلق بنفس الشبكات واللوبيات المتأهبة ولكن هذه المرة يتعلق الأمر بدمشق وطهران.
فداخل تكتل أحزاب المعارضة السورية ولجان الدفاع عن حقوق الإنسان استعداد للتعاون مع الولايات المتحدة بغية الضغط على النظام السوري لإجراء إصلاحات جوهرية في الهيكلية السياسية في سوريا وإجراء انتخابات حرة وديمقراطية نزيهة وإنهاء هيمنة الحزب الواحد واحتكاره للسلطة والانسحاب الفوري والكامل بلا قيد أو شرط من لبنان، وإلاّ سيواجه النظام السوري نفس المصير الذي لقيه النظام العراقي، وكذلك داخل الائتلاف من أجل الديمقراطية في إيران الذي تأسس سنة 2002. نجد نفس عناصر"التيار المحافظ الجديد في أميركا الذي أسس لجنة تحرير العراق"، و"مشروع من أجل قرن أميركي جديد"، و"لجنة الخطر المحدق"، وهذه الأخيرة كانت تحذر من الاستهانة وسوء تقدير الخطر السوفيتي، واستعادت نشاطها وحيويتها اليوم لوضع سياسة جديدة حيال طهران ودمشق.
نجد اليوم نفس التكتيكات والذرائع، مثل: إن الحرب على الإرهاب طويلة ولا يشكل غزو العراق سوى مرحلة أولى فيها. المراحل التالية ستتمثل بإطاحة أنظمة شمولية وديكتاتورية كالنظامين السوري والإيراني وفق تشخيص المحافظين الجدد الأميركيين، ليس بالضرورة باستخدام الغزو العسكري أو بالقوة المسلحة:"لأنها أنظمة هشة ومتهاوية وضعيفة آيلة للسقوط من تلقاء نفسها بمجرد تعرضها لهجمات سياسية جدّية" كما تعتقد العناصر الأكثر محافظة في هذا التيار المحافظ الجديد.
وهم يحاولون إقناع جورج دبليو بوش في بداية ولايته الثانية بأن طموحه بالقضاء على الإرهاب العالمي وتحويل الشرق الأوسط إلى منطقة تسودها الحرية والديمقراطية، لا يمكن أن يتحقق من دون اختفاء ما يسميه ميكائيل ليدن أحد ابرز عقول التيار المحافظ ومنظّره، بـ"المللاقراطية في طهران الثيوقراطية وعصبة الحرس القديم الفاسدة في دمشق".
لقد استطاعت واشنطن إقناع حلفائها الأوروبيين ومجلس الأمن والأمم المتحدة بهذه الفرضية وبات الجميع متفقاً على أنه لا يمكن السماح لإيران بأن تمتلك سلاحاً نووياً والسكوت عنها، ولا يمكن ترك دمشق بعد اليوم تحتل لبنان وتتصرف به كما يحلو لها وكأنه من ممتلكاتها الخاصة. ويشاطر الأوروبيون نفس هذا التصور والتشخيص الأميركي تقريباً، ولو أنهم يسوغونه تحت ذريعة الخوف من انتشار السلاح النووي ووقوعه بيد الإرهابيين الدوليين. والسؤال الذي بات مطروحاً هو كيف يمكن منع طهران من امتلاك السلاح النووي بأسرع وقت ممكن قبل فوات الأوان؟ وكيف يمكن إخراج سوريا من لبنان بأقل الخسائر الممكنة قبل أن تناور لإحداث فتنة دامية فيه على غرار ما حدث في سنوات السبعينيات والثمانينيات قبل توقيع اتفاق الطائف، خاصة بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري الذي يريد الغرب استثماره إلى أقصى حد؟
الأوروبيون، وعلى رأسهم فرنسا وألمانيا وبريطانيا، يرغبون في سلوك الطريق الديبلوماسي لإقناع السلطات الإيرانية بتقديم ضمانات كافية بشأن تخليهم عن برامجهم العسكرية والاكتفاء بالاستخدام السلمي للطاقة النووية تحت إشراف ومراقبة المجموعة الدولية ولجنة الطاقة الذرية. وإقناع دمشق أن من مصلحتها تنفيذ بنود القرار 1559 الصادر عن الأمم المتحدة من دون المساس بأمن ووحدة لبنان وسلامة أراضيه، في حين أن الإدارة الأميركية تنظر إلى هذه الجهود الأوروبية الحثيثة بلا مبالاة وبتشكيك في فعاليتها لأن هذين النظامين لا يفهمان في رأيها سوى لغة القوة والقسر ولم تقترح حلاً بديلاً لذلك.
يبدو السي