الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي صرح بأن المرأة السعودية ستدخل مجالات عمل جديدة. كما بدأت الكويت تعد عدتها لإعادة طرح الحقوق السياسية للمرأة، وفي دولة الإمارات العربية المتحدة تعالت الأصوات العاقلة نحو مزيد من المشاركة السياسية، وفي قطر سجلت السبق في تولي المرأة حقيبة وزارية، وفي عمان دخلت المرأة مجالات جديدة. المؤشرات تؤكد بأنه لا مجال أمامنا إلا القبول والتعايش مع الواقع العالمي الجديد وأنه لم يعد بإمكاننا صد موجات التغيير. العالم يتحرك بسرعة كبيرة ولم يعد أمامنا إلا خيار الاندماج وتهيئة أجيالنا الشابة للقبول بالآخر.
عودة إلى تصريحات الأمير الفيصل، لا نملك إلا أن نقول إن هذه التصريحات يجب دعمها وعلينا دعم خطوات الإصلاح التدريجي الذي بدأت ملامحه بخطوات عملية. قد يبدو لنا الأمر في غاية السهولة في حديثنا حول الإصلاح إلا أن الواقع يقول عكس ذلك. فالقبول بفكرة الإصلاح يعني الاعتراف بالخلل، والخلل له أسبابه التي علينا مواجهتها بكل جرأة.
تصريحات الأمير الفيصل تدعمها تصريحات مختلفة للأمير نايف بن عبد العزيز بأن المملكة احتضنت الجماعات الإسلامية بعد طردها من مصر وسوريا اعتقاداً منها بنظافة أهدافها، إلا أن الأمور انقلبت وأصبحت هذه الجماعات مسؤولة عن تنمية الفكر الثوري الإسلامي الذي دعمته الثورة الإيرانية في عام 1979. إنه من الأخطاء الفادحة التي وقعت فيها المملكة وكثير من بلدان النفط مساهمتها في إصدار كثير من القوانين والسياسات التي ضيقت من الحريات الاجتماعية. إن المشكلة التي نواجهها من صنع أيدينا. وأعتقد أن الأمير الفيصل وغيره من حكامنا يشاركونني الرأي أننا نواجه بيئة ثقافية مشحونة بفكر التطرف الذي صنعته المؤسسة الدينية وبمباركة حكومية. فالدولة تهيمن على قطاعات مختلفة منها الإعلام والتعليم والثقافة والدين وهذا يمكنها من تغيير خطابها وتمليه على مؤسساتها.
حديث الأمير الفيصل حول الحرية والديمقراطية والحاجة إلى الوصول إلى صيغ تقرب المفاهيم أمر لا بأس به، إلا أننا ربما نذكر أن أزمتنا في البلاد العربية سببها أننا لا نبادر وإنما نسير وفق ردات الفعل. الإصلاح لم يفرض على البلاد العربية إلا بعد أحداث سبتمبر، وكانت الدولة العربية تملك الوقت الكافي لأخذ المبادرة دون ممارسة أية ضغوط عالمية، إلا أن مفهوم الإصلاح مشوش في عقل الحكم. فالإصلاح لا يعني للحكم أكثر من تقديم الخدمات التحتية ولا يمس جوانبه السياسية وهنا يكمن الخلل في فهم موضوع الإصلاح.
مع إيماننا بأن الحرية والديمقراطية لا تتطلبان الاجتهاد في التفسير، إلا أننا ندرك أن للحرية والديمقراطية متطلباتهما ولا يمكننا أن نغفل البيئة الحاضنة لقيم الحرية والديمقراطية وهذا ما ينقصنا في البيئة العربية والإسلامية. فالخلاف ليس حول المفهوم بقدر ما علينا مسؤولية في البدء في مسيرة تهيئة الأجواء الاجتماعية الحاضنة لقيم الحرية والديمقراطية.
لا أعتقد أن عقل الحكم يغيب عنه أننا مقبلون على مرحلة جديدة وأنه لم يعد بإمكاننا إدارة ظهورنا لموجات التغيير التي يشهدها العالم مع سقوط المنظومة الاشتراكية. وليس من الحكمة أن يلجأ الحكم إلى فلسفته القديمة التي عطلت مسيرة التغيير الطبيعي لمجتمعاتنا العربية. الحكمة تقول إن القيادة دائماً يجب أن تكون في المقدمة في أخذ المبادرة وتفوت الفرصة على قوى التغيير المفاجئ الذي قد يقلب الموازين وبعدها يصعب علينا التحكم في مساره وتداعياته. وهذا ما لا نريده أن يحدث في منطقتنا الخليجية التي اتسمت بدرجة عالية من الاستقرار.