عندما رفضت الحكومة اللبنانية المستقيلة فكرة التحقيق الدولي تمسكاً بحرية القرار اللبناني، وبنزاهة وعدالة وقدرة القضاء والأمن اللبنانيين على اكتشاف الحقيقة، قلنا في أنفسنا: لعل الدولة هذه المرة ولعظم الكارثة ستبذل فعلا جهدها وستكشف لنا الحقيقة. وبعد أيام قليلة من حادثة الاغتيال ومن تسليم الملف للقضاء اللبناني، نشرت الحكومة اللبنانية أخباراً عن اكتشاف مجموعة من الشباب المسلمين الملتحين الذين غادروا لبنان إلى أستراليا في اليوم نفسه الذي وقعت فيه التفجيرات، وقيل إنهم على علاقة بالحادثة وإن السلطات طلبت من أستراليا توقيفهم والتحقيق معهم. بعدها قلنا في أنفسنا: هذه بالتأكيد بقية العصابة التي أعلنت عن نفسها في الشريط المشهور الذي بثته إحدى القنوات الفضائية، ونحن فعلا أمام حركة "أصولية متطرفة" هي التي قامت بالاغتيال.
بعد ساعات من إعلان السلطات اللبنانية جاء الرد من أستراليا صاعقاً ومخيباً للآمال، فقد تبين أن هؤلاء الشباب كانوا من المقيمين في أستراليا ومنهم من لا يتكلم العربية إلا بصعوبة، وكانوا عائدين من الحج وأمضوا بعض الأيام لزيارة لبنان وأقاربهم فيها وهم ينتمون إلى جماعة صوفية لا علاقة لها من قريب ولا من بعيد بالإرهاب، وجريمتهم الوحيدة أنهم ملتحون، وأنهم غادروا بيروت في نفس يوم الحادث.
إذا كانت هذه هي الوسائل والطرق التي ستعتمد عليها السلطات اللبنانية، وهذا هو الاتجاه السائد في التحقيق وهذه هي أصناف الناس الذين تبحث عنهم التحقيقات فابشر بطول سلامة أيها القاتل.
إن بدء التحقيقات التي ستتولاها السلطة اللبنانية لوحدها كما زعمت والتي ترفض المشاركة الدولية فيها، والقصص المضللة والتي يقصد من خلالها تضييع دم الحريري بين القبائل إنما هو تأكيد لأقوال المعارضة التي لا تثق بهذه الحكومة ولا بتحقيقاتها. هذه التصرفات لن تفيد الحكومة ولن تفيد سوريا التي لها المصلحة الكبرى في كشف الجاني للتخلص من الضغوط، وستصب نتائج هذه الأعمال في خانة المعارضة لتقويها وتدعم موقفها أمام الشعب وأمام الرأي العام العالمي.
أمير أوغلو - الدنمارك