مبارك.. بين الإصلاح الداخلي والوساطة الإقليمية


"بدأنا بداية جديدة"... ذلك هو الأهم في ما أرادت قمة شرم الشيخ التي التأمت وأنهت أعمالها الثلاثاء الماضي، أن تؤكد عليه في قراراتها المعلنة ومن خلال اللقاء الرباعي الذي ضم، برعاية الرئيس المصري حسني مبارك، كلا من العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، ورئيس الوزراء الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن)، ورئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون الذي يلتقي بالرئيس مبارك على أرض مصرية للمرة الثانية بعد أن زاره في القاهرة قبل سنوات حين كان وزيرا للبنية التحتية، أما الآن فجاء إلى شرم الشيخ تجاوبا مع الجهود التي بذلها الرئيس مبارك من خلال اتصالاته وعبر موفديه الذين ترددوا كثيرا على الضفة الغربية وقطاع غزة وتل آبيب طوال الأشهر الأخيرة، بهدف دفع الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي نحو اتخاذ الترتيبات والإجراءات التمهيدية في المجال الأمني خاصة؛ فكان أهم ما انتهت إليه قمة شرم الشيخ الأخيرة هو الإعلان عن وقف لجميع "أعمال العنف" ضد الإسرائيليين والفلسطينيين أينما كانوا.


وإذا كان ذلك الإعلان يمثل تنفيذا للبند الأول من خطة خريطة الطريق التي قدمها الأميركيون قبل عامين دون أن يتمكنوا من فرضها (أو يمتلكوا الرغبة في ذلك)، فإن نجاح الرئيس مبارك في حلحلة الجمود القائم على هذه الجبهة منذ أربعة أعوام، إلى جانب احتفاظه لمصر، ومعها الأردن، بموقع الوسيط في أي خلاف على تنفيذ إجراءات الهدنة بين طرفيها، يمثل عامل دفع جديد ومصدر أهمية أخرى للدبلوماسية المصرية التي حاولت اجتراح دور سياسي في الملف العراقي؛ وأظهرت انزعاجا مما تم فعله بمدينة الفلوجة خاصة، وتشاؤما من تحجيم الدور السياسي للطائفة السنية عامة في العراق.


 وفي حين كانت العديد من شرائح الشارع الداخلي والقوى السياسية في مصر تراقب ذلك الموقف باهتمام بالغ، أعلنت القاهرة عن توقيع اتفاقية للتجارة الحرة (كويز) مع كل من إسرائيل والولايات المتحدة، وتم تنظيم مؤتمر شرم الشيخ حول العراق بحضور أميركي مميز، ثم جاءت قمة شرم الشيخ الأخيرة لتكرس توافقا على رفض أي سلاح داخل مناطق الحكم الذاتي غير سلاح السلطة الفلسطينية، كما قبلت القاهرة وعمان إعادة سفيريهما إلى تل أبيب، بل تحدثت بعض الأخبار شبه الرسمية عن زيارة محتملة سيقوم بها الرئيس مبارك لإسرائيل خلال الأسابيع القليلة القادمة.


ويربط محللون بين التوجهات الحالية للسياسة الخارجية المصرية على المدى القصير، وبين ثلاث قضايا محورية تسيطر على نقاشات الساحة المصرية وتفاعلاتها في المرحلة الراهنة: أولها قضية توريث الحكم في مصر، وثانيها مسألة الإصلاح السياسي، أما الثالثة فملف التطبيع مع إسرائيل. فقد طرحت مسألة الخلافة في مصر وأصبحت محل نقاش منذ نوفمبر 2003 عندما أصيب الرئيس مبارك بإغماء أثناء إلقائه خطابا أمام مجلس الشعب، ثم اتسعت دائرة الجدل حول هذه المسألة بعد عملية جراحة العمود الفقري التي أجريت له في يوليو من العام الماضي في ألمانيا.


لكن مبارك المولود في محافظة المنوفية شمال القاهرة، ويبلغ الـ77 من العمر، عرف عنه تمتعه بأسلوب حياة صحي، فهو رجل نباتي يبدأ يومه بممارسة الرياضة، وقال مرة إنه لم يتعاط الدخان والكحوليات طوال حياته، وإنه اكتسب من تكوينه العسكري (كان طيارا) خصائص اللياقة والانضباط. بيد أن ذلك لم يمنع الشائعات من القول في مصر إن الرئيس يعد ابنه جمال مبارك لتولي الرئاسة من بعده، وكانت البداية في عام 2000 عندما انضم مبارك الابن إلى عضوية الهيئة السياسية العليا للحزب الحاكم، ثم تم تعيينه في سبتمبر 2002 أمينا للجنة السياسات في الحزب والتي تتمتع بنفوذ كبير في البلاد. وإن أعلن الرئيس مبارك صراحة أن "مصر ليست جمهورية وراثية"، فإن أحزاب المعارضة التي شنت حملة ضد ما أسمته "توريث الحكم"، ترى أنه بدون تعديل دستوري يسمح بالتنافس على منصب الرئاسة، سيكون "التوريث" أمرا واقعا. أما الإصلاح السياسي فيشير إلى جملة من الأمور تشمل تغيير النظام الانتخابي، وتحديد عدد الولايات الرئاسية، وإلغاء قانون الطوارئ، وتعيين نائب للرئيس، وإنهاء احتكار الحياة السياسية من قبل "الحزب الوطني الديمقراطي" الحاكم، أي مطالب المعارضة السياسية المقدمة منذ وقت طويل إلى الرئيس مبارك والذي نجح في إرساء ديمقراطية محدودة في مصر، رافقها تمتين متزايد لمركزية السلطة، حيث شغل منصبه منذ عام 1981، ويتوقع أن يرشح نفسه رسميا لولاية رئاسية خامسة مدتها ست سنوات.


ورغم أن علاقات مصر بإسرائيل لم تشهد تحسنا في عهد الرئيس مبارك، وهو الذي لم يزر الأخيرة رسميا إلا مرة واحدة للمشاركة في جنازة إسحاق رابين عام 1995، فإن البعض يتهم سياسته تجاه الدولة العبرية بأنها "حيادية" بشكل أقلق الفلسطينيين في أحيان كثيرة. وقد تركزت مهمات الوفود التي بعث بها مرارا إلى الأراضي الفلسطينية منذ بداية الانتفاضة الثانية على محورين