يبدأ بوش فترة ولايته الثانية بتصريحات عن الثقة والطموح تبعث على الإعجاب الشديد حقا للوهلة الأولى، وإن كان البعض قد ينظر إليها على أنها تقوم على أساس هش وخصوصا إذا ما تعلق الأمر بالسياسة الخارجية. وفي بداية أسبوع التدشين، صرح بوش بأن سياسته بشأن العراق، قد تمت مناقشتها أثناء الحملة الانتخابية، وأن نتيجة الانتخابات في حد ذاتها تعد بمثابة تصديق عليها. هذا ما يقوله بوش ولكن استطلاعات الرأي تقول عكس ذلك.
فقد تبين من خلال استطلاع رأي تم إجراؤه بواسطة "واشنطن بوست" وشبكة "آيه بي إس" بتاريخ الثامن عشر من يناير الحالي، وقبل خطاب بوش الافتتاحي، أن 58 في المئة من إجمالي الأشخاص الذين جرى استطلاع آرائهم لا يزالون معارضين لحرب بوش في العراق، وأن 44 في المئة منهم هم فقط الذين يرون أن تلك الحرب تستحق أن يقوم الأميركيون بخوضها. وفي الحقيقة أن الهامش الذي فاز به بوش في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، يعد من أضيق الهوامش في تاريخ الانتخابات الأميركية. ففي التاريخ الحديث، كان ريتشارد نيكسون هو الوحيد الذي فاز بهامش أضيق من الهامش الذي فاز به بوش، عند خوضه انتخابات التجديد لفترة رئاسة ثانية.
والرئيس بوش على ما يبدو لا يخشى العنف الدائر حالياً في العراق خصوصاً مع اقتراب موعد الانتخابات غدا. وحسب المقال الذي كتبه "سيمور هيرش" في مجلة "نيويوركر الأميركية" - والذي تقول مصادر الإدارة إنه مليء بالأخطاء وإن كانت لم تنكر ما جاء فيه بالكامل- فإن الرئيس بوش قد بدأ بالفعل العمليات الرامية إلى مد نطاق العمليات إلى إيران، بغرض إعادة تشكيل الشرق الأوسط، وتدمير قدرات إيران على تصنيع الأسلحة النووية. والإطاحة بالقيادة الدينية الإيرانية الحالية هدف يعتقد كل من دونالد رامسفيلد وبول وولفوفيتز - كما جاء في التقارير الإخبارية- أنه" سيؤدي إلى سقوط النظام الإيراني برمته".
وتقول كوندوليزا رايس إن الإدارة الأميركية الحالية ستركز على الديبلوماسية، وإنها ستعمل على تحسين العلاقات مع دول الاتحاد الأوروبي من خلال"الدبلوماسية العامة النشطة". وما تقوله رايس لا يوحي بالثقة، لأنها تعرف يقيناً أن المشكلات المتعلقة بالعلاقات عبر الأطلسية، ليس سببها سوء أساليب العلاقات العامة بقدر ما ترجع إلى أسباب تتعلق بالمفاهيم والسياسات. وموقف "رايس" الذي عبرت عنه بصدد المفاهيم هو أنها ترى أن العالم لا يزال يمر بحالة من فقدان القدرة على معرفة الاتجاه الصحيح منذ سقوط الشيوعية، وهي الحالة التي تقارنها رايس بتلك الحالة التي سادت عقب الحرب العالمية الثانية، وأن الوضع بالتالي يتطلب إقامة مؤسسات جديدة، كتلك التي أقامتها الولايات المتحدة في تلك الفترة والتي يجب أن تكون- كما كانت من قبل- تحت القيادة الأميركية.
وأخشى ما تخشاه رايس، هو أن يتحول العالم من النظام الثنائي القطبية الذي كان سائدا في سنوات الحرب الباردة، إلى نظام متعدد الأقطاب، تتقاسم الولايات المتحدة النفوذ فيه مع الاتحاد الأوروبي والصين وروسيا وربما دول أخرى.
وقد رفضت رايس ذلك الاحتمال رفضا باتا لأنه سيؤدي في رأيها إلى "إحياء ذلك التنافس المدمر الذي كان سائدا في الماضي بين القوى الكبرى، والذي بدأ منذ نشأة نظام الدولة - الأمة في القرن السابع عشر... وأن أوروبا بالذات يجب أن ترفض هذا المفهوم لأنه وإن كان شرا لابد منه في الماضي، إلا أن اتباعه الآن سوف يؤدي إلى كوارث مثل تلك التي أدى إليها في الماضي وعلى رأسها الحربان العالميتان الأولى والثانية".
وفي كلمة كانت قد ألقتها أمام "المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية" في صيف 2003 قالت رايس:"لماذا نسعى إلى تشتيت قدراتنا إلى الأبد في حين أن تلك القدرات ستكون في غاية الكفاءة عندما تكون موحدة؟... إننا إذا ما فعلنا ذلك فسنكون موضعا لشماتة أعداء الحرية". وقد ذهبت رايس وآخرون في واشنطن إلى القول إن هناك حاجة إلى تحالف من الدول الديمقراطية، تحت قيادة أميركية، للحلول محل المنظمات الدولية غير المقنعة في أدائها وغير المهمة كتلك الموجودة اليوم.
في الوقت الذي قالت فيه "رايس" ذلك، وكان عقب غزو العراق مباشرة، بدا قولها وكأنه تعبير عن تصور موجود لديها بصدد إقامة نسخة موسعة من التحالف الذي قام بشن الحرب على العراق يمكن أن يضم الناتو المكبر ( كان البنتاجون قد عارض خوض الحروب وفقا للبنية الحالية لحلف الناتو التي تضم دولا تتمتع بحق الفيتو، بعد حملة كوسوفو).
وهناك افتراض آخر يتبناه البعض حاليا مؤداه أن إدارة بوش في فترة ولايتها الثانية، قد تقدم اقتراحا بتقسيم المهام الدولية بحيث يلعب الاتحاد الأوروبي الدور "الناعم" فيها أي دور لملمة القطع المكسورة، بعد أن تكون القوى العظمى "الخشنة" قد انتهت من مهمتها. في هذه الحالة سيتوقع من المستشار الألماني (حسب صحيفة "الانترناشيونال هيرالد تريبيون" التي تناولت هذا الاحتمال) أن يقوم- ردا على ذلك- خلال الكلمة التي سيلقيها في إطار لقائه مع بوش، عندما يقوم الأخير