النقيب: عليه أن يواجه السؤال الأمني وفساد المؤسسة


 مع بدء العد التنازلي للانتخابات العراقية التي ينتظر أن ترسم بداية مفصلية في المسار السياسي والأمني لعراق ما بعد صدام حسين، اتجهت الأنظار مجدداً إلى وزير الداخلية العراقي المؤقت فلاح النقيب الذي وعد بضمان سير هادئ لعملية الاقتراع وحمايتها من هجمات المسلحين، في وقت تزايدت تهديداتهم بإفشال أول انتخابات تعددية مباشرة في بلاد الرافدين منذ خمسين عاماً.


وحرص النقيب على توجيه رسالة ذات دلالة لطمأنة المواطنين العراقيين بهذا الخصوص، فأعلن الخميس الماضي أنه تم اعتقال أحد مساعدي أبو مصعب الزرقاوي إضافة إلى تسعة أشخاص آخرين مطلوبين، وقال:"بدأنا نفكك الخلايا الإرهابية، لقد اخترقناها"، وذكر بعض التفاصيل حول الاستعدادات الأمنية لإجراء الانتخابات في موعدها غدا الأحد. فهل سيكفي ذلك لتحقيق شروط أمنية مثلى لإنفاذ الانتخابات؟ الحقيقة أنه عندما تم اختيار النقيب ليشغل حقيبة الداخلية في الحكومة العراقية التي تم تشكيلها في الأول من يونيو الماضي لتتولى السلطة خلال فترة انتقالية، كان المغزى المباشر لذلك الاختيار وضعه أمام تحدي تحقيق الأمن واستعادة النظام في بلد مضطرب ومنفلت من الداخل.


وبقدر ما كانت المهمة عسيرة وشاقة، أفاده تصميمه القوي وخبرته كحاكم لمحافظة صلاح الدين عدة أشهر، في البدء بإعادة بناء وهيكلة جهاز الأمن العراقي، فقد نجح في زيادة المجندين في قطاع الشرطة، وضاعف من نوعية التدريب ووسع مجالاته وأماكن تلقيه، وأبرم عدة اتفاقات خارجية للتكوين والتدريب والتطوير، واستعادت الشرطة منذ ذلك الوقت معظم مقراتها، وباتت مزودة بجهاز استخبارات مهمته جمع المعلومات، وأصبحت مسؤولة عن حفظ الأمن الداخلي في حين كان يقوم بهذه المهمة في السابق الجيش وأجهزة المخابرات. وشدد النقيب مراراً على أن الأجهزة الأمنية العراقية قادرة على مواجهة المهمات المطلوبة منها، وأن الحكومة الجديدة تعمل على "إعادة بناء الكثير من مؤسساتنا الأمنية وإعادة تنظيمها من جديد، وعلى تحديث معلوماتنا عن الجرائم الإرهابية وعن الإرهابيين".


 وتوقع بعيد تسلمه منصبه عودة الاستقرار في غضون ثمانية أشهر وقال إن جهاز الشرطة العراقي "يكفي للسيطرة على الأوضاع الأمنية". وإذا كانت هذه الأوضاع ازدادت سواء في العراق، فقد عرفت أيضاً محافظة صلاح الدين أعنف دورات العنف خلال تولي فلاح النقيب منصب الحاكم فيها لعدة أشهر. وقد حاول أن يثبت أن هذه المحافظة السنية التي اعتبرها صدام حسين معقله الرئيسي تشعر بالفرح لاقتلاعه من الحكم، وعقد العديد من اللقاءات بين أعيانها وممثلي القوات الأميركية، وحين تم اجتياح عاصمة المحافظة سامراء في الأول من أكتوبر الماضي، واستعادت القوات الأميركية سيطرتها على المدينة بعد أن خضعت معظم أجزائها طيلة عدة أسابيع للمسلحين، زارها وزير الداخلية المؤقت فلاح النقيب وقال في تصريح إعلامي إن الهجوم لم يسفر عن قتل مدنيين، فأغضب السكان الذين قالوا إنهم فقدوا أقارب لهم من بينهم أطفال. وكان سكان المحافظة بشكل عام قد قبلوا اختياره حاكماً لها، وذلك لاعتبارات أهمها أنه أحد أبنائها العرب السنة (من مواليد سامراء) الذين عاشوا في المنفى لسنوات طويلة وعاد بعيد سقوط بغداد، وأن والده اللواء حسن مصطفى النقيب كان قائداً عسكرياً ونائباً لقائد أركان الجيش العراقي قبل أن ينشق على صدام حسين أواخر سبعينيات القرن الماضي. وبعد أن فر فلاح النقيب (ولد عام 1945) مع أسرته من العراق في عام 1978، استقر في السويد وحصل على شهادة في الهندسة من جامعة استوكهولم ونال الجنسية السويدية، لكن طموحاته السياسية ورغبته في معارضة نظام "البعث" العراقي دفعاه إلى سوريا كغيره من آلاف المعارضين العراقيين، حيث امتلك بيتاً في حي أبو رمانة بدمشق وأسس تنظيماً سياسياً صغيراً لم ينل شهرة، لكنه تردد منذ مطلع التسعينيات على منطقة كردستان التي كانت تحت سيطرة الميليشيا الكردية، فأنشأ صداقات مع قادتها ومع كل من أحمد الجلبي وإياد علاوي.


 وخلافاً لوزير الدفاع حازم الشعلان الذي عرف بتوجيه اتهامات مباشرة ضد سوريا وإيران، لم يشر النقيب إلى دور رسمي لأي من البلدين في تدهور الوضع الأمني العراقي، بل أثنى على ما تبذله سوريا من جهد لحماية حدودها مع العراق، وندد الشهر الماضي بتصريحات للواء غالب الجزائري قائد شرطة النجف اتهم فيها دمشق بلعب دور في تفجيرات شهدتها المدينة الشيعية المقدسة، وقال إن الجزائري "تم نقله إلى بغداد تمهيدا لتسريحه". وإذا كان اللواء الجزائري قد رد بتصريحات رفض فيها أمر نقله، فذلك مؤشر إلى عدد المشاكل العويصة التي تواجه أداء الوزير العراقي؛ فقد نقل عنه استياؤه من الدور المتزايد للجيش والحرس الوطني إذ "يجب أن تكون مهماتهما هي حماية الحدود وترك المسألة الأمنية الداخلية للشرطة العراقية"، إضافة إلى أن وجود منصبي نائب