مع تردي الأوضاع الأمنية في العراق بشكل مخيف، ومع عدم وضوح الرؤية الخاصة بكيفية إمكانية إعادة الأمن والاستقرار والسلام إليه، مرّ على منطقة الخليج هذا العام ربع قرن من عدم الاستقرار المتواصل، منذ أن تمت الإطاحة بنظام الشاه في إيران، وقيام الاتحاد السوفييتي السابق بغزو أفغانستان عام 1979. لقد أعقب الحدثين المهمين نشوب الحرب العراقية- الإيرانية، ثم اندلاع المقاومة العنيفة للاحتلال السوفييتي في أفغانستان التي شكلت الحاضنة التي ترعرع فيها مد العنف السياسي-الديني المتطرف الذي تعاني المنطقة من تداعياته في الوقت الراهن. ثم وقع الاحتلال العراقي للكويت الذي أعقبته حرب تحرير الكويت، وانتهى المطاف بالغزو الأميركي للعراق وما تشهده الساحة الآن من قلق أمني لم يسبق له مثيل.
إن الحالة التي يمر بها الأمن الخليجي تعكس أهمية هذه المنطقة الحيوية بالنسبة للعالم أجمع، بسبب ما يحويه باطن الأرض من كميات نفطية هائلة تجعل الخليج محط أنظار كافة دول العالم ومحور صراع بين القوى الدولية الفاعلة في مجال النفط. فخلال سبعينيات القرن الماضي استوردت الدول الصناعية من خارج المعسكر الاشتراكي السابق 70 في المئة من النفط الذي تحتاجه من الدول المحيطة بحوض الخليج. وحتى عندما قامت إيران التي كانت تعتبر ثاني أكبر المنتجين في العالم حتى عام 1978، بقطع إنتاجها مؤقتاً خلال المراحل الأولى للثورة، فإن دول الخليج الأخرى قامت بتغطية العجز الذي ألمّ بالأسواق نتيجة لانقطاع النفط الإيراني. إن مسلسل الإرهاصات الأمنية الخليجية ذو جذور تعود إلى ما قبل انهيار الاتحاد السوفييتي السابق، حين كانت الجهات الفاعلة المعنية بأمن الخليج قلقة بشأن قيام الاتحاد السوفييتي بغزو محتمل للخليج عبر اجتياح الأراضي الإيرانية باتجاه الجنوب. وربما يعود السبب في ذلك إلى أن الاتحاد السوفييتي كانت لديه خططه الكامنة تجاه مياه الخليج الدافئة والاحتياطيات النفطية الضخمة التي تكمن تحت أراضيه. وفي نفس الوقت كان الاتحاد السوفييتي يرصد بترقب شديد ما كان يطلقه الغرب من تصريحات وما تنشره وسائل الإعلام ومراكز البحوث من أخبار ودراسات حول النية في احتلال حقول النفط الخليجية لحمايتها ضد هجمات محتملة قد يقوم بها الثوريون المتطرفون في المنطقة.
ومن جانب آخر كانت دول الخليج تخشى من الخطر الإسرائيلي أكثر من خطر المد السوفييتي تجاه أراضيها، ولكن تلك النظرة تغيرت عندما قام الاتحاد السوفييتي بغزو أفغانستان. إن التدفق المفاجئ والكاسح للقوات السوفييتية في داخل الأراضي الأفغانية الجبلية الوعرة التي لا تحتوي على موارد نفطية غير من النظرة الخليجية تجاه النوايا السوفييتة. لقد أجبر الغزو السوفييتي لأفغانستان الولايات المتحدة على التحرك السريع في المنطقة، وإن لم يكن مباشرة. ففي خطاب له أمام الكونجرس في يناير 1980 حذر الرئيس كارتر من أن أية محاولة للتدخل العسكري الخارجي في الخليج سيتم اعتبارها على أنها اعتداء على مصالح الولايات المتحدة الحيوية وستقود إلى حرب شاملة.
إن ذلك التصريح الذي عرف فيما بعد بـ"مبدأ كارتر" كان بمثابة الإعلان الصريح عما تنوي الولايات المتحدة فعله في الخليج. والحقيقة هي أنه بدا وكأنه رد فعل لا معنى له لأنه لم يكن لدى الولايات المتحدة في تلك اللحظة الوسائل اللازمة لترحيل ونشر قوة مقاتلة تكفي لردع هجوم سوفييتي يقع على المنطقة، وأي من دول الخليج لم تكن راغبة في منح قواعد عسكرية أو تسهيلات للأساطيل الغربية لأنها كانت تعتقد بأن ذلك كان سيسبب لها مشاكل وتعقيدات هي في غنى عنها. لذلك فإن الولايات المتحدة قامت ببناء قاعدة جديدة لها في جزيرة دييجو غارسيا بالإضافة إلى نشر قطع أساطيلها في المياه المحيطة بالخليج فيما عرف آنذاك بسياسة التواجد العسكري فيما وراء الأفق التي كانت دول المنطقة راضية عنها.
وبعد مرور كل هذا الوقت وما صاحبه من أحداث لا يزال الخليج غير مستقر وتتطلع شعوبه إلى غد أكثر إشراقاً وسلاماً وأمناً، فهل يتحقق ذلك؟ دعونا نتفاءل ونعمل سوياً على تحقيق ذلك لأنفسنا حفاظاً على أوطاننا وأجيالنا القادمة.