لو كنت طفلا في التاسعة من عمرك، وجاء المتمردون إلى منزلكم، وقتلوا أباك ثم أجبروك على الالتحاق بميلشياتهم فماذا تفعل؟ وإذا ما ذهبت معهم.. فكم من الوقت ستظل تتصرف كطفل، قبل أن تتحول إلى قاتل عديم الرحمة مثلك مثل أي مقاتل آخر؟ لم يكن من الوارد توجيه مثل هذه الأسئلة للأطفال من قبل. فلقرون من الزمان - مع استثناءات قليلة للغاية- كان يتم إعفاء الأطفال من المشاركة في الحروب حيث كان يتم دائماً النظر إلى الحرب بشكل عام على أنها شأن من شؤون الرجال، وأنها لا تتناسب مع الأطفال الذين لن يستطيعوا مهما بلغت بهم الشجاعة، أن يخوضوا غمارها بنفس الكفاءة التي يفعل بها الكبار ذلك.
ولكن انتهاء الحرب الباردة فتح الباب على مصراعيه لطوفان من الصراعات الإقليمية، التي قام فيها الطغاة ومن يريدون أن يتشبهوا بهم، بإغراء أو اختطاف الأطفال، والدفع بهم إلى جبهات القتال. ويمثل الفقر السائد، وانتشار وباء الإيدز القاتل في أفريقيا، سببين من الأسباب الرئيسية لرواج عملية تجنيد الأطفال اليائسين، والمعرضين لكافة أنواع الانتهاكات واليتامى في معظمهم. إلى جانب ذلك أدى التطور المستمر في تصنيع الأسلحة، واختراع أسلحة صغيرة الحجم وبسيطة الاستخدام، وذات فعالية مدمرة في نفس الوقت مثل بنادق "الكلاشينكوف"، وقاذفات" الآر. بي. جي" والأسلحة المماثلة إلى إتاحة المزيد من الفرص لتجنيد الأطفال من سن العاشرة فما فوق، وتحويلهم إلى جنود يخشى بأسهم. والكتاب الذي نقوم بعرضه هنا والمعنون "الأطفال في الحرب" لمؤلفه "بي. دبليو سينجر" الزميل بمعهد بروكينجز يستقصي مسار التطور المنحرف لهذه الظاهرة ويقوم بربطها بالمشكلات التي تعاني منها الدول الأفريقية، التي أصبح يطلق عليها مسمى "الدول الفاشلة" وربطها كذلك بالتكتيكات البالغة البشاعة التي تلجأ إليها الجماعات الإرهابية. وهو هنا لا يضع يده على موطن الداء فقط، ولا يكتفي بالإشارة إلى وجود الظاهرة، وإنما يعمل في نفس الوقت على تقديم وصفات العلاج المناسبة، التي تحول دون استفحالها. بيد أن ما يؤخذ على المؤلف هو أنه قد لجأ إلى الإيجاز بشكل مبالغ فيه في الكثير من المواضع في وقت كان القارئ فيه في أمس الحاجة إلى معرفة المزيد من التفاصيل عن هذه الظاهرة الخطيرة، وهو ما أدى في النهاية إلى خروج الكتاب في عدد محدود من الصفحات لا يزيد على 200 صفحة.
والسؤال المتعلق بالكيفية التي يمكن بها الحيلولة بين لوردات الحرب، وجيوش المتمردين، بل وبعض المليشيات العسكرية الرسمية التابعة للدول، وبين تجنيد الأطفال لم يلق - كما يقول الكاتب- الاهتمام الكافي الذي يدفع إلى الإجابة عليه وذلك لسببين هما: أن الصراعات التي تدور في أفريقيا والتي يصطلي هؤلاء الأطفال في أتونها، لا تلقى الاهتمام أو التغطية الكافية من المجتمع الدولي، وأجهزة الإعلام العالمية، ربما لأن القصص الخاصة بالظروف التي دفعت هؤلاء الأطفال دفعاً للانخراط في صفوف تلك الجيوش هي قصص تقطع نياط القلوب. وعلى الرغم من أن البعض قد يرى أن المؤلف قد بالغ عندما وصف المنطق المنحرف الذي تقوم به مثل تلك القوات باستخدام الأطفال بأنه يمثل "عقيدة" قتالية. إلا أنه كان محقاً تماماً في قوله أن المجتمع الدولي يستطيع إذا ما أراد أن يوقف انتشار هذه الظاهرة، إذا قام بالضغط على القوات أو المليشيات التي تستخدم هؤلاء الأطفال وقوداً لحروبها، عن طريق جعل مثل هذا الاستخدام خطراً بالنسبة لها، أو محققاً لنتائج عكس النتائج التي تسعى إلى تحقيقها، مما يدفعها في النهاية إلى التوقف عن تجنيد الأطفال.
والحاجة العاجلة للقيام بإجراء ما لإيقاف تلك الظاهرة، تنبع بالدرجة الأولى من المدى الذي وصلت إليه تلك الظاهرة، التي أصبحت قائمة في العديد من الدول منها على سبيل المثال سيراليون، وأوغندا في أفريقيا وسيريلانكا في آسيا، وكولومبيا في أميركا اللاتينية. ويقول المؤلف إن الإحصائيات تشير إلى أن هناك قرابة 300 ألف طفل يخدمون بالفعل أو تم تجنيدهم في الفترة الأخيرة في مثل هذه الجيوش، على الرغم من أن تلك الأعداد كانت قليلة بل ولا تكاد تذكر منذ سنوات ليست بالبعيدة. ويرى المؤلف أن سبب استفحال هذه الظاهرة يرجع إلى أن انتهاء الحرب الباردة قد جعل الكثير من القادة السياسيين والعسكريين في دول العالم الثالث، يدركون أن انتهاء تلك الحرب، قد أفقدهم مصادر التسليح ومصادر الدعم، وأنه يتحتم عليهم لذلك تغيير الطريقة التي كانوا يحاربون بها، وأن تجنيد الأطفال على وجه التحديد يمثل وسيلة سهلة لتجميع أكبر عدد ممكن من القوات دون تكبد نفقات كبيرة. ويخصص المؤلف فصلا كاملا يورد فيه تفاصيل اللقاءات التي أجراها مع بعض الأطفال المقاتلين والذين تحدثوا فيها عن التجارب المروعة التي تعرضوا لها ومنها على سبيل المثال قيام قادتهم بإجبارهم على شرب دماء أعدائهم حتى يتغلبوا على خوفهم من الحرب أو إجبارهم على وضع مزيج من الكوكايين الممزوج ببارود البنادق في جروحهم حتى تشفى ويصبحوا أكثر قوة وقدرة على الاحتم