هناك تشابك ملحوظ بين أضلاع مثلث التركيبة السكانية والتوطين والعمالة الوافدة، فلكل ضلع حالة وحده بحاجة إلى فك الارتباط بينها حتى نعطي الضلع الأضعف وهو التوطين حقه من العيش بين الزحام الذي نحن بصدد مواجهته من أجل الصالح العام للوطن برمته.
ماذا يمكن فعله أمام قرابة 180 جنسية هم نواة التشكيلة السكانية للدولة وهي فعلا فريدة وحدها لو قارنا أنفسنا بأي مجتمع بشري آخر فليس لنا مثيل وليس في ذلك ميزة فريدة، بل معادلة يجب البحث الجاد عن الحل الصعب.
فقضية التوطين هنا تشكو من ظلم الزيادة السكانية المطردة وستبلغ حسب تقديرات عام 2010 حوالي 8 ملايين نسمة وهي حالياً قرابة أربعة ملايين نسمة، وظلم آخر له علاقة مباشرة بالارتفاع المستمر في عمليات استقدام العمالة الوافدة والتي تتراوح بين 3 – 7% سنوياً وهو ما يعادل 300 ألف إلى 700 ألف عامل أجنبي يدخل إلى سوق العمل في الدولة.
فهل يمكن وفق هذه الأوضاع أن يثبِّت التوطين قدمه وسط هذا البحر من العمالة المتزايدة دون أن تنزلق وقبل أن تجد من يوفر لها الاستعدادات اللازمة أو المضادة لهذا التيار سواء بالتأهيل أو التدريب الملائم لاحتياجات السوق وهنا نجد أن لقوانين السوق غير المنضبطة الصوت الأعلى في إعادة تركيب العمالة المواطنة في قوالبه.
وحتى نعيد الميزان إلى مكانه الصحيح ويعود حق التوطين في الحصول على مساحة من الاهتمام الرئيسي، فإن وضع نسب سنوية لتخفيض استقدام العمالة الوافدة بات أمراً ضرورياً للغاية لأننا بغير ذلك لا نملك القدرة على الصمود أمام تلك الزيادات غير المدروسة ولا المقننة سلفاً وإنما تأتي كيفما اتفق.
وهذا المطلب في التحديد لا يأتي من فراغ تشريعي وإنما نجد له أثراً إيجابياً لدى المجتمعات الأوروبية التي لا تسمح قوانين العمل فيها بتجاوز العمالة الوافدة إليها نسبة 7% من إجمالي القوى العاملة على أكثر تقدير وذلك حفاظاً على مكانة الأيدي المواطنة للمشاركة الفعلية للعملية التنموية برمتها.
فقبل أيام وقفنا على خبر من المملكة العربية السعودية التي يوجد بها 8.8 مليون أجنبي وعدد من العاطلين يقارب 300 ألف عاطل عن العمل وهو يشكل نسبة 9.6 في المئة من إجمالي قوى العمل السعودية لمن أعمارهم 15 سنة فأكثر، مفاده انخفاض عدد الوافدين الموافق على استقدامهم في المملكة خلال الأشهر الثلاثة الماضية من العام 2004 بنسبة 38.61 في المئة مقارنة مع نفس الفترة من عام 2003 وذلك نتيجة الإجراءات التي تتخذها وزارة العمل لإعادة تنظيم استقدام العمالة الأجنبية والحد منها. ونلاحظ ذلك من خلال عدد تأشيرات الدخول الذي انخفض خلال تلك الفترة إلى نحو 98 ألف تأشيرة من نحو 160 ألف تأشيرة مقارنة بعام 2003.
ونتلمس قطاعات الانخفاض الذي بلغت نسبته 68.71% في مهن عمال الإنتاج و15.86% في مهن الخدمات و7% في مهن الزراعة ونحو 5.55% في مهن البيع، أما في باقي المهن فقد كانت نسبة الانخفاض فيها بنحو 2.8 في المئة.
إننا في دولة الإمارات بحاجة ماسة إلى وضع آلية خاصة بنسب الانخفاض بما يتوافق مع حجم نمو الاقتصاد الوطني وذلك حتى نوفر فرصاً وظيفية للأعداد المتزايدة من العاطلين عن العمل في الدولة معظمهم من الخريجين والمتعلمين، بل بحاجة أكبر إلى اتخاذ قرارات سياسية أقرب إلى استخدام مشرط الجراح في العمليات الحرجة، فالتوطين هنا بمثابة القلب الذي ينتظر قرار الإنقاذ وهو في اللحظات الأخيرة لمواصلة الحياة.