تمر الأمة العربية اليوم في أخطر مراحلها التاريخية، حيث تواجه أخطاراً شديدة الحدة داخلية وخارجية أهمها تلك التي تتعلق بالمشاريع والخطط والسيناريوهات التي يتم التحضير لها في كواليس الإدارة الأميركية ومراكز الدراسات والبحوث الأميركية الصهيونية، والتي تهدف بشكل أساسي لضرب المجتمع العربي من الداخل ونزع هويته وعقيدته وإعادة تشكيل خريطته الجغرافية والدينية والسياسية والاقتصادية والتعليمية والثقافية والفكرية والاجتماعية، حسب الهوى الأميركي والإسرائيلي. وما يحدث الآن في العراق وفلسطين والسودان هو نموذج بسيط لهذه الحالة وصورة مصغرة للاستعمار الوحشي الجديد وما سيكون عليه الوطن العربي في إطار هذا المخطط وهذا التآمر الخطير على الأمة العربية. والذي يتتبع بدقة تلك المخططات والمشاريع وما يقوله الإعلام الغربي وكتّاب الغرب والمسؤولون في الغرب، والشعارات المرفوعة هناك ضد العرب والمسلمين سيدرك تماماً خطورة الأوضاع القادمة على العالم العربي والتي وصفها الرئيس السوري بشار الأسد بأنها أخطر من الوضع بعد اتفاق "سايكس بيكو" عند مطلع القرن الماضي، والذي قسم دول المنطقة إلى مناطق نفوذ تتبع بريطانيا وفرنسا.
والحقيقة أن هذه المشاريع والمخططات التي تهدف إلى تفتيت الوطن العربي بهدف الهيمنة عليه وعلى ثرواته، تتحرك منذ زمن طويل، وكان أخطرها خطة الصهيوني برنارد لويس التي أقرها الكونجرس في جلسة سرية عام 1983 والتي تهدف إلى إجهاض كل النظم السياسية العربية المستقلة وتحويل المنطقة إلى دويلات طائفية وعرقية صغيرة بلا حكومات فاعلة وتقسيم العراق إلى ثلاث دويلات، شيعية في الجنوب، وسنية وسط العراق، وكردية. ثم إن بريجينسكي مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي الأسبق كارتر كان صريحاً عندما قال بعد توقف الحرب بين العراق وإيران: إن المشكلة الحقيقية التي ستواجه أميركا الآن هي ضرورة وجود حرب أخرى على هامشها لتصحيح الحدود التي رسمتها اتفاقية "سايكس- بيكو". وفي 1/1/2003 نشرت صحيفة "معاريف" الإسرائيلية تقريراً خطيراً يتحدث بصراحة ووضوح عن خريطة جديدة ضد الإسلام والمسلمين وأن الحرب ضدهم ستستمر طوال سنوات القرن الحالي أو عدة قرون. وهذا يؤكد حقيقة ما قاله الشيخ رائد صلاح رئيس الحركة الإسلامية داخل الخط الأخضر: إن المؤسسة الإسرائيلية تحاول إقامة حلف عالمي ضد الإسلام. ثم إن ماكس زينغر مؤسس معهد هدسون للدراسات الاستراتيجية السياسية قال: إن الهدف من التوجه الأميركي الجديد في المنطقة ليس فقط تغيير الأنظمة أو إسقاط الحكومات العربية والإسلامية، بل هو دعم الفئة العلمانية وإيصال العلمانيين والليبراليين المتعاونين أو المتأثرين بالغرب إلى السلطة في أغلب عواصم دول الشرق الأوسط، وإن الولايات المتحدة تعمل بقوة على دفع الغرب بأكمله للوقوف معها لخنق التيار الإسلامي. وقال الخبير ريتشارد ميلسون من الجانب الأميركي إنه مهم أن تكون المصالح العربية- العربية متنافرة وإن أميركا تعمل بقوة على تغذية هذا الاتجاه وإن على إسرائيل ألا تقلق، فالأمور تسير لصالحها في المنطقة. إننا سنعمل على تطويق البلدان العربية بمجموعة من الاتفاقيات الاقتصادية المهمة التي ستترك آثاراً في غاية الأهمية على أفكار التعاون الاقتصادي القائمة بين هذه الدول وبعضها.. وهذا يكشف حقيقة ما قاله البروفيسور الصيني "لي. سونج كيانج" مؤسس معهد الحضارة العربية في "شنغهاي": إن أميركا لديها عداء ديني وإنها تخشى أن تحس الدول الإسلامية بالخطر الذي يهددها فتتحد لمقابلة هذا العدوان، لذلك فهي حريصة على أن تثير الخلافات بين هذه الدول وأن تبذر بينها بذور الشقاق بإيهامها أن هذا العداء لا صلة له بالناحية الدينية وبذلك تتخطفها وتستذلها واحدة بعد واحدة.
نحن إذاً أمام استراتيجية صريحة ومؤامرة عالمية واضحة، تتحرك وفق مراحل دقيقة تهدف إلى بلقنة المنطقة والهيمنة عليها وإشعال الصراعات الأهلية فيها وجعل الكيان الصهيوني شريكاً أساسياً في مشروع الهيمنة. فهل يتحرك العرب لمواجهة هذا الخطر الكبير والمؤامرة العالمية الكبرى ضد العرب والمسلمين قبل فوات الأوان؟.