أقر مجلس وزراء خارجية الدول العربية الذي عقد في العشرين من شهر يناير الجاري مشروع إنشاء برلمان عربي بينما تجاهل ملفات ورحل إلى قمة الجزائر المقبلة في شهر مارس أو إلى ما بعد ذلك، حسب مزاج القادة العرب وتقديراتهم وأجندتهم الشخصية، قضايا أكثر أهمية مثل محكمة العدل العربية التي كانت قد أقرت في قمة القاهرة عام 1996 ووافق عليها المجلس الوزاري نفسه عام 2000 لكنها لم ترَ النور منذ ذلك الوقت، وهيئة متابعة قرارات الجامعة وإصلاح آلية التصويت داخل الجامعة ومشروع تكوين مجلس أمن شبيه بمجلس الأمن الدولي لكن على مستوى المنطقة العربية ومجلس قومي للثقافة العربية ومصرف عربي للتنمية. ويعتقد مسؤولو الجامعة أنه بالرغم من الصعوبات الكبيرة التي يواجهها مشروع الإصلاح الذي قدمه الأمين العام واعتمدته من حيث المبدأ الدول العربية في سعيها للتخفيف من الضغوط الخارجية والتظاهر بامتلاكها مشروعها الخاص للإصلاح في مواجهة المشاريع المفروضة من الخارج أن إقرار البرلمان خطوة أولى تعبر على الأقل عن استمرار الأمل في تقدم عملية الإصلاح والسير إلى الأمام.
وفي جميع المقاييس تشكل نتائج المجلس الوزاري العربي خيبة أمل عميقة لكل المتابعين لملف العمل العربي المشترك ولمشروع الإصلاح العربي من الداخل أيضاً. وربما جاءت الموافقة على البرلمان العربي كتغطية على الفشل وكترضية شكلية للرأي العام الذي ينتظر تحركاً ملموساً على جميع الأصعدة وفي جميع الميادين. فالبرلمان الجديد الذي يتكون من 88 عضوا يعينون من قبل برلماناتهم الوطنية أو حكوماتهم للسنوات الخمس القادمة بالتساوي، أي بحدود أربعة نواب لكل بلد، يعكس الدوران في الحلقة المفرغة ذاتها التي قادت التعاون العربي إلى الطريق المسدود الذي لا يزال يتخبط فيه منذ منتصف القرن الماضي. فلا أعتقد أن لدى عربي واحد أدنى شك في أن البرلمان الجديد سوف يكون صورة باهتة أكثر للبرلمانات العربية الكثيرة القائمة والتي ليست لها وظيفة أخرى سوى المصادقة على سياسات وقرارات النخب الحاكمة التي تخدم مصالحها وحدها ولا تعبر ولا بنسبة محدودة عن مصالح المجتمع أو أغلبيته الساحقة. ولن يكون سلوك هؤلاء النواب الجدد الذين ستختارهم أجهزة الأمن في كل دولة، حتى تضمن ألا تسير الأمور داخل البرلمان العتيد لصالح الحكومات العربية الأخرى بغير ما تريد هي، مختلفاً عن سلوك أي عضو ممثل لهذه الدولة أو تلك ضمن بيروقراطية الجامعة العربية التقليدية. إن كل ما سيضيفه هو توسيع القاعدة العددية لهذه البيروقراطية وجعل بلورة القرارات التي تتخذها الجامعة العربية أكثر تعقيداً وتوفير دهاليز سياسية أكثر لدفنها أو تجميدها حتى يصعب على الرأي العام انتقادها. إن إقرار البرلمان العربي لا يعبر عن خطوة إلى الأمام ولكنه مبادرة فارغة هدفها التغطية على الجمود وطمس انعدام الإرادة وغياب التفاهم معا بين أطراف المنظومة العربية حول برنامج إصلاح جدي.
ليس هناك أي لوم في ذلك على الجامعة العربية نفسها أو على أمانتها العامة. فالجامعة ليست في الواقع سوى مرآه شفافة للحكومات العربية التي تتحكم بها ولا تسمح لها بأي استقلالية ولو كانت هامشية. وهي في طبيعة تكوينها ووضعها والوظائف الموكلة لها لا تختلف كثيراً عن المؤسسات الرسمية الأخرى القائمة في البلاد العربية. فهي جميعاً مفرغة من المعنى ومن المضمون لأنها تفتقر إلى جوهر ما يجعل منها مؤسسات حية وفاعلة، أعني الارتباط بالمجتمع والاستناد إليه والاعتماد على توجيهاته ومشاركته ومراقبته وبالتالي بسبب خضوعها الآلي لإرادة النخب المقطوعة تماماً عن مجتمعاتها والمفتقرة في ثقافتها وسلوكها معاً لمعنى السياسة الوطنية ومضمونها. فالانفصال عن المجتمع وعن قواه الحية، وهو الانفصال الذي يعززه ويعمقه غياب القوى الاجتماعية والسياسية المنظمة التي تساعد على بلورة إرادة المجتمع بفئات مصالحه المتنوعة والمتعددة، يحول هذه المؤسسات، وعلى رأسها الدولة ذاتها، إلى أدوات طيعة تستخدمها النخب الحاكمة لتنفيذ مآربها وتحقيق مصالحها كما تتصورها كاملة.
ومن هنا نجد أن الدولة التي يفترض فيها أن تساعد المجتمع على توحيد إرادته عبر توسطها بين المصالح المتباينة وبث الاتساق فيها تتحول إلى آلة تقسيم وتفتيت له لضمان السيطرة عليه وإخضاعه وقهره واستبعاده من أية حياة عمومية. ومجلس نواب الشعب أو البرلمان الذي يفترض فيه التجسيد الشفاف للسيادة الشعبية وتكوين أغلبية شرعية تقوم برسم السياسات الوطنية يتحول إلى وسيلة استثنائية لتزييف الإرادة العامة وفرض تشريعات وسلطة الأقلية الحاكمة بالسلاح والعنف. والجيوش أو القوات المسلحة المكلفة بالدفاع عن المصالح الوطنية ضد التحرشات والتهديدات الخارجية تصبح الركيزة الرئيسية للتفاهم والتعاون بين النخب المحلية الحاكمة والدول الأجنبية وتعميق النفوذ الخارجي. وأجهزة الأمن التي يفترض فيها حماية الفرد وضمان احترام حقوقه وصيانة استقلاله الذاتي تجعل من بث الرعب والخوف الوسيلة الرئيسية لتجريد