دلف عالمان من جيبوتي إلى غرفة التحكم وهما يشعران بالدهشة والإثارة عندما أخبروهما بأن هذا هو قلب أكبر شبكة وأكثرها حساسية في العالم للتنصت على أصوات صدى الانفجارات النووية. لقد جاء هذان العالمان إلى فيينا في جولة لحضور افتتاح هذا المرفق وقالا إنهما سعيدان بانضمامهما لأعضاء هذه الشبكة وإن محطة المراقبة في جيبوتي يشرفها الانضمام إلى قائمة التسع وثمانين دولة والمئة وأربعين محطة وحوالى 268 خبيراً يعملون الآن في مجال التنصت السيزمائي "الاهتزازي" للزلازل والبراكين بهدف التعرف على مؤشرات تختص بالاختبارات النووية. ويقول الدكتور محمد جلال الدين الذي يعمل في مركز جيبوتي للبحوث والدراسات، وهو يمعن النظر في أجهزة غرفة التحكم:"إنها قاعدة بيانات جيدة ستساعدنا في أداء أعمالنا الجيولوجية وستساهم في تحقيق الأهداف الدولية التي يتعين إنجازها".
إن المهمة الرئيسية لهذه الشبكة والهيئات الأخرى التابعة لها تتمحور في البحث عن تفجيرات نووية سرية بموجب الحظر العالمي على اختبارات التفجيرات الذي تنتهجه الأمم المتحدة منذ ثماني سنوات. وهو أمر يتسم بالكثير من الفوضى إذ أن هنالك دولتين على الأقل -الهند وباكستان- انتهكتا هذا الحظر ودولتين أخريين -إيران وكوريا الشمالية- تم تصنيفهما مؤخراً كدولتين تستعدان لإجراء اختبارات نووية. والآن فإن العديد من الخبراء الغربيين تساورهم المخاوف من أن العالم قد أصبح على أعتاب عصر نووي ثانٍ يتمركز في قارة آسيا. وكما أشار علماء جيبوتي فإن هذه الشبكة تعتبر أيضاً عاملاً مساعداً للدول التي تسعى إلى فهم أفضل للأسرار الداخلية للكوكب الأرضي وبخاصة فيما يتعلق بأسباب تشكل الزلازل والبراكين وتلك التي تؤدي إلى انقسام واندماج القارات. والآن فإن الاهتزازات الصادرة من الحوادث السيزمائية الطبيعية ترحل إلى مسافات بعيدة قبل أن يتم التقاطها من قبل محطات التسجيل الخاصة بهذه الشبكة. وهناك خريطة لآخر القياسات التي تم رصدها وهي تكشف الخطوط العريضة للصفائح التكتونية (التي تشكل القشرة الأرضية) الرئيسية التي تتحرك فوق بعضها بعضاً في شكل موجات للزلازل الكبيرة والصغيرة، فيما يعتبر اكتشافاً جديداً لحركة سطح الأرض كان قد استغرق عقوداً طويلة من العلماء حتى يكشفوا النقاب عنه. إذ يقول فيل. جيه. فيليبوكوسكي أحد العاملين في الشبكة أثناء رحلة له إلى مجمع فيينا في أوائل ديسمبر الماضي "لقد تمكنا في أشهر قليلة من اكتشاف ما استغرق 50 عاماً من البحوث العلمية الأرضية. وفي هذا اليوم وحده وقعت 147 حادثة". ومضى يقول وهو يحدق في جهاز الكمبيوتر ويشير إلى خريطة تحتشد بالنقاط والعلامات:"هنالك الآن سلسلة من الاهتزازات الطبيعية في إندونيسيا وهو أمر يجعل المحللين التابعين لنا في حالة شغل مكثف".
ولاحقاً بعد أربع وعشرين ساعة فقط اضطرب البحر في غرب إندونيسيا بفعل الزلزال الهائل الذي أدى إلى ارتفاع موجات تسونامي قبل أن تجتاح السواحل من آسيا إلى أفريقيا. ونسبة للحساسية العالية التي تتمتع بها هذه الشبكة فقد استطاعت التقاط الاهتزازات الأولى لهذا النشاط السيزمائي الذي أدى لحدوث ذلك الزلزال. ولقد شهدت هذه الشبكة نمواً متسارعاً منذ إنشائها في أواخر التسعينيات، إذ تمكنت من إنجاز تغطية عالمية في العام الماضي كما يشير المسؤولون. أما عمليات الإضافة المنتظمة لأجهزة الاستشعار الجديدة فقد أدت إلى زيادة كبيرة في عمق وحساسية وتنوع القياسات مما عزز من إمكانية العلماء هنا على كشف الانفجارات النووية السرية. والآن فإن عدد المحطات الحالية المتكاملة سيرتفع في أواخر هذا العقد إلى 132 محطة بدلاً من 140 محطة (كل محطة لديها أكثر من جهاز واحد للاستشعار). وتقول دانييلا روجونوفا المتحدثة الرسمية للمنظمة إن ميزانية الشبكة التي تم رصدها لهذا العام تبلغ 105 ملايين دولار.
وعلى الرغم من حداثة عمرها فقد تمكنت هذه الشبكة من تحقيق العديد من الإنجازات المهمة حيث استطاعت اكتشاف الانفجار الخاص بالمركبة الفضائية كولومبيا في أوائل عام 2003 وكذلك التدمير الذي لحق بالغواصة الروسية كيرسك في عام 2000 بالإضافة إلى موجات الصدمة الناشئة عن سلسلة من التفجيرات النووية التي أجرتها الهند وباكستان في عام 1998. وكما يقول فيليبوكوسكي عن الشبكة إنها أشبه بكلب الحراسة وشعارها الرسمي هو "العين التي لا يغمض لها جفن".
ويذكر أن إدارة بوش كانت قد عارضت "اتفاقية حظر الاختبارات الشاملة" التي تشكل من خلالها الحلف الدولي الذي أنشأ هذه الشبكة. وعالمياً فإن اتفاقية عام 1996 هذه ما زالت لم تتم المصادقة عليها بعد أن رفضها مجلس الشيوخ في عام 1999. ويشير المنتقدون الأميركيون لهذه الاتفاقية إلى أنها تحد من الخيارات العسكرية للولايات المتحدة بما في ذلك إمكانية إعادة استئناف الاختبارات التفجيرية للأسلحة النووية، أما المناصرون للاتفاقية فهم يؤيدونها لنفس هذه الأسباب. وعلى الرغم من هذه التحفظات إلا أن الولايات المتحدة الأميركية تساهم بحوالي